فإن قيل: فما تصنع بقوله تعالى: {والله أحق أن تخشاه} فإنه يدل على معاتبة النبى صلى الله عليه وسلم، بأنه خشى الناس، ولم يخش الله الأحق بالخشية؟.
فالجواب: بأن ظاهر الآية غير مراد، وإنما المعنى: والله أحق أن تخشاه، أى: جدير بأن تخشاه كما فعلت يا رسول الله، وذلك لأن خشية ضرر الناس، وتوقى هلاكهم على ما وقع منه صلى الله عليه وسلم فى قصة صفية بنت حى السابقة، إنما نشأت من مراقبته لله تعالى، وقيامه بحق الرعاية التى جعلها الله تعالى له عليهم، فهو فى الواقع إنما خشى الله فى الناس، فجاء قوله عز وجل:{والله أحق أن تخشاه} تعزيزاً له صلى الله عليه وسلم على ما فعل، وإخباراً بأن الله تعالى جدير بأن يخشاه مثلك يا رسول الله فى عباده، بأن يقيهم أسباب الضرر والهلاك، ويحرص على هدايتهم وسعادتهم فى الدارين.
قلت: وهذا الوجه الأخير من أحسن ما تنزل عليه الآية الكريمة، لأنه اللائق بما جبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة، وبما كان فى المسلمين من حدثاء الإسلام، الذين لم تتعمق جذور الإيمان فى قلوبهم بعد، فخشى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك (١) . أهـ ... ...
(١) ينظر: النفحات الشذية فيما يتعلق بالعصمة والسنة النبوية لمحمد الطاهر الحامدى ص٦٦ – ٦٨، وآيات عتاب المصطفى صلى الله عليه وسلم فى ضوء العصمة والاجتهاد ص٢٤٠ – ٢٤٧، وخواطر دينية لعبد الله الغمارى ص٤٥، ٤٦، والشفا ٢/١٨٨ – ١٩١، وعصمة الأنبياء للرازى ص١٠٠ – ١٠٤، ومحمد رسول الله لفضيلة الشيخ عرجون ٢/٤٣٨ – ٤٤١، وتنزيه الأنبياء لعلى السبتى ص٥٠ – ٦٣، وعصمة الأنبياء للدكتور محمد أبو النور الحديدى ص٤٥٣ – ٤٦٦.