للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأسمى، فإنه أى خوف الناس، لا ينشأ إلا من حب المحمدة والثناء، والحرص على الجاه عند الناس، وحسن الأحدوثة بينهم، وهذا مما يترفع عنه آحاد الأتقياء، فضلاً عن سيد الأنبياء، وعلى ذلك فليست قصة زينب المذكورة، مسوقة مساق العتاب له صلى الله عليه وسلم، كما توهمه المفسرون، وإنما سيقت فى الحقيقة لبيان كماله وحزمه صلى الله عليه وسلم، وشدة شفقته على الناس، وحرصه على سلامتهم من الأذى، كما يومئ إليه قوله تعالى قبل هذه القصة {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} (١) فإن إعطاء النبى صلى الله عليه وسلم هذا المنصب العظيم، وإحلاله هذه المنزلة الرفيعة، التى جعلت رأيه فوق رأى الجميع، بحيث لا يكون لمؤمن ولا مؤمنة الخيرة فى شئ ما، بعد قضائه ورأيه صلى الله عليه وسلم، يدل على دلالة ظاهرة على أن هذه القصة، وهى قصة زينب المذكورة، إنما ذكرت هنا كالتعليل لاستحقاقه صلى الله عليه وسلم ما ذكر، فلابد حينئذ أن يكون

مضمونها مدحاً له صلى الله عليه وسلم، وتنزيهاً له عن جميع الأغراض والحظوظ النفسية، فما قيل من أنه صلى الله عليه وسلمأبصرها فتعلق قلبه بها وأخفاه، فهو قول باطل كما قال بعض العلماء، لا يلتفت إليه، وإن جل ناقلوه، فإن أدنى الأولياء لا يصدر عنه مثل هذا، وكذلك لا يجدى فيه الاعتذار، بأن ميل القلب غير مقدور، فإنه هنا أيضاً مما يجب صيانة النبى صلى الله عليه وسلم وعصمته عنه، ويرد هذا القيل: أن الله سبحانه وتعالى لم يبده، أى لم يبد الميل القلبى كما زعمتم، وإنما أبدى نكاحه إياها نسخاً لما كان عليه الجاهلية من تحريم أزواج الأدعياء (٢) .


(١) الآية ٣٦ الأحزاب.
(٢) الأدعياء: هم الذين ينسبون إلى غير آبائهم.

<<  <   >  >>