للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. قلت: وأياً كان السبب، فإن ما أطلقه الزمخشرى، وتابعه فيه خصوم السنة النبوية، والسيرة العطرة، فى حق النبى صلى الله عليه وسلم تقول وافتراء، والنبى صلى الله عليه وسلم مما أطلقوه براء، وذلك أن تحريم ما أحله الله على وجهين:

الوجه الأول: اعتقاد ثبوت حكم التحريم فيه، فهذا بمثابة اعتقاد حكم التحليل فيما حرمه الله عز وجل، وكلاهما محظور لا يصدر من المتسمين بسمة الإيمان، وإن صدر! سلب المؤمن حكم الإيمان.

... والزمخشرى كلامه محمول على هذا المحمل، ومعاذ أن يعتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريم ما أحله الله له... وما هذه من الزمخشرى إلا جراءة على الله ورسوله؛ تابعه فيها بعض أدعياء العلم على ما سبق.

الوجه الثانى: الامتناع عما أحله الله عز وجل، وهو المعنى الأصلى لمادة "حرم" فى اللغة (١) وقد ورد التحريم بهذا المعنى فى القرآن الكريم فى آيات منها:

قوله تعالى: {وحرمنا عليه المراضع من قبل} (٢) أى منعنا موسى المراضع، أن يرتضع منهن إلا من قِبَلِ أمه (٣) .

وقوله عز وجل: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة} (٤) أى منعه من دخولها.

وقوله سبحانه: {كل الطعام كان حلاً لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه} (٥) أى إلا ما امتنع عنه سيدنا يعقوب عليه السلام عنه من قبل نفسه.

والامتناع عما أحله الله قد يكون مؤكداً باليمين مع اعتقاد حله، وهذا مباح صرف، وحلال محض.


(١) فحرمه، وتحريمه، وحرماناً، وأحرمه، أى منعه. والمحروم: الممنوع عن الحير، ومن لا ينمى له مال، ومنه الصيام إحرام، لامتناع الصائم عما يفسد صومه ينظر: معجم مقاييس اللغة ٢/٤٥، والقاموس المحيط ٤/٩٣، ومختار الصحاح ص١٣٢، والنهاية فى غريب الحديث ١/٣٥٨.
(٢) الآية ١٢ القصص.
(٣) جامع البيان للطبرى ٢٠/٤٠.
(٤) الآية ٧٢ المائدة.
(٥) الآية ٩٣ آل عمران.

<<  <   >  >>