للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. هذا ولا يلزم من ظاهر حديث (نخس الشيطان كل مولود) أن تمتلئ الدنيا صراخاً وعياطاً كما توهم الزمخشرى (١) لأن الحديث إنما جعل ذلك عند الولادة فحسب، وأما بعدها فلا! ولو حكمنا المشاهدة، فما من مولود إلا ويستهل صارخاً أو باكياً، وإنكار ذلك مكابرة (٢) .

... أما زعم محمود أبو ريه: أن ذلك النخس أو المس لو وجد لبقى أثره، ولو بقى أثره لزم الصراخ والبكاء. فنقول: أرأيتم إذا ختن الطفل فتألم وبكى، أيستمر الألم والبكاء؟!!.

... أما ما ذكره محمود أبو ريه: عن الرازى وغيره (٣) أن الخبر على خلاف الدليل لأن الشيطان إنما يدعو إلى الشر من يعرف الخيروالشر، والصبى ليس كذلك، كما أنه يلزم منه تمكن الشيطان من إهلاكهم... فأقول: ومن قال إن النخسة دعاء إلى الشر؟ بل إن كانت للإيلام فقط، فذلك من خبث الشيطان، مُكِّن منها، كما مُكِّن مما أصاب به سيدنا أيوب عليه السلام، وكما يمكن الكفار من قتل المسلمين حتى الأنبياء، وذبح أطفالهم. وإن كانت النخسة لإحداث أمر من شأنه أن يورث القلب قبولاً ما للوسوسة بعد الكِبَرْ، فهذا لا يستدعى معرفة الخير والشر فى الحال. والتمكين من هذا كالتمكين من الوسوسة والتزيين، وذلك من تمام أصل البلاء. ولا يلزم من تمكنه من هذا النخس أن يفعل أكثر من ذلك من إهلاك الصالحين، وإفساد أحوالهم كما زعم أعداء السنة والسيرة العطرة، لأنه لا يتمكن إلا إن مكنَّه الله تعالى، فإذا مكنَّه الله تعالى من أمر خاص، فمن أين يلزم تمكنه من غيره؟!! (٤) .


(١) وتوقف فى صحة الحديث ينظر: الكشاف ١/٣٥٦، ٣٥٧.
(٢) ينظر: دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص٨٧.
(٣) كالقاضى عبد الجبار المعتزلى. ينظر: أضواء على السنة ص١٨٨، وجامع البيان عن تأويل آى القرآن ٢/٤٠٩.
(٤) ينظر: الأنوار الكاشفة ص١٤٩.

<<  <   >  >>