للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيهما: باطن محجوب فى داخل النفس، لا يمكن معرفته إلا بإخبار صاحبه الذى دار فى نفسه، أو إخبار من أظهرهم عليه بنقل ثابت عنه. فذهاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى أعالى الجبال وشواهقها التى ألف الصعود إليها فى أزمان خلواته وتطلعاته للتفكر فى عجائب آيات الله الكونية، وبدائع ملكوته، أمر محسوس، يمكن الحكم عليه برؤيته ومشاهدته، ولا حرج فى أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم قد حزن فى فترة الوحي اشتياقاً لأنوار الشهود الروحانى الأعلى الذى كان يغمره فى أوقات نزول الوحي، ونزول آيات القرآن المبين، حزناً كان يغدو منه إلى ذرا الجبال التى كانت مأنس روحه، تطلعاً إلى آفاق أشواقه لشهود تجليات أمين الوحي جبريل عليه السلام الذى سبق له أن تجلى فى آفاقها بصورته الملائكية الروحانية العالية.

... وكون هذا الذهاب إلى ذرا شواهق الجبال لقصد التردى منها ليقتل نفسه – كما هو نص عبارة البلاغ الضعيف – أمر باطن محجوب بأستار الضمير فى حنايا النفس، لا يعلمه، ولا يطلع عليه إلا الله علام الغيوب، وإلا صاحبه الذى دار فى حنايا نفسه، وعزم على تحقيقه عملياً، وإلا من يظهره عليه صاحبه العليم به، بأخبار منه إليه، وكل ذلك لم يثبت!.

... وما روى عن ابن عباس من قوله: "مكث النبى صلى الله عليه وسلم أياماً بعد مجئ الوحي لا يرى جبريل، فحزن حزناً شديداً حتى كان يغدو إلى ثبير (١) مرة، وإلى حراء أخرى، يريد أن يلقى نفسه" (٢) غير مسلم من وجوه.


(١) اسم جبل معروف عند مكة. النهاية فى غريب الحديث ١/٢٠٢.
(٢) أخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى ١/١٣١.

<<  <   >  >>