للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. ومعلوم أنه لم يكن مراقباً عما يصنع به، ولا منتظراً بما يكلف به، إذ ناداه ربه عز وجل من شاطئ الوادى الأيمن: {إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى} (١) وأمره أن يذهب إلى فرعون إنه طغى، فلما سمعه موسى عليه السلام، ألقى عليه فى ساعته تلك من اليقين، والإذعان بنبوته، ما هون عليه الدعوة لمثل فرعون الباغى الطاغى، ولم يشك فى نبوته كجناح بعوضة، إلا أنه كان بشراً، خلق من ضعف، ولذا خاف من عصاه حين صار جاناً – حية عظيمة – لما أمره ربه عز وجل، بإلقاءها من يده، قال تعالى: {وما تلك بيمينك يا موسى. قال هى عصاى أتوكؤ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى.

قال ألقها يا موسى. فألقاها فإذا هى حية تسعى. قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى} (٢) .

... وقال سبحانه: {وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب يا موسى لا تخف إنى لا يخاف لدى المرسلون. إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإنى غفور رحيم} (٣) .

... وبمقتضى بشريته أيضاً خاف من القتل، كما حكى القرآن الكريم على لسانه: {ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون} (٤) ومن هنا شكى إلى ربه عن ضعفه، وسأله أن يجعل أخيه ردئاً يصدقه، ويكون عوناً له فإنه كان أفصح لساناً، قال تعالى: {قال رب إنى قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون. وأخى هارون هو أفصح منى لساناً فأرسله معى ردءاً يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون} (٥) .

... ولم يكن هذا الخوف شكاً منه أو إعراضاً عما أمره الله عز وجل به – والعياذ بالله – بل إظهاراً لضعف جبل عليه الإنسان.

... فإذا لم يشك من كان نبى بدون تمهيد، ولا سابقة خبر، فكيف بمن مهد له تمهيداً، ومرن تمريناً فى النوم واليقظة؟.


(١) الآية ١٢ طه.
(٢) الآيات ١٧ – ٢١ طه.
(٣) الآيتان ١٠، ١١ النمل.
(٤) الآية ١٤ الشعراء.
(٥) الآيتان ٣٣، ٣٤ القصص.

<<  <   >  >>