للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن خوف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه من الموت من شدة الرعب، وشدة نزول الوحي عليه، ومن أن يقتله قومه، جعله يرجع بما حملت نفسه الكريمة من آثار ذلك كله، إلى بيته، وزوجته الأمينة، وزيرة الصدق، ومأنس الوفاء، يبدى لها ما تعرض له فى غار حراء، من محن وشدائد تذيب رواسى الجبال، فكان من فراستها ورجاحة عقلها، أن أقسمت على أن الله تعالى لن يخزيه، وأكدت ذلك بلفظ التأبيد (كلا والله ما يخزيك الله أبداً) واستدلت على ما أقسمت عليه بأمر استقرائى، فوصفته بأصول مكارم الأخلاق (إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق) .

خامساً: بقى الجواب عن ما يزعمه أعداء السنة المطهرة من استنكار لتخفيف الزوجة على زوجها، إذا ألمت به محنة وشدة، وكذلك استنكار لطلب عين اليقين.

...

إذ زعموا أن فى إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجته ما حدث له، ثم ذهابهم إلى ورقة بن نوفل، منقصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليل فى زعمهم على ارتيابه فى نبوته، ومنقبة لزوجته خديجة وورقة وأنهما أحق بالنبوة منه (١) وهذا لعمرى لمنطق معكوس إذ كيف ينكر عاقل دور الزوجة عامة فى تخفيف الآلام عن زوجها، وخاصة دور خديجة العظيم فى تخفيف آلام رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أول يوم أرسل إليه فيه، حتى تتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بموتها وموت عمه أبو طالب، ونالت قريش من أذيته صلى الله عليه وسلم ما لم تكن تطمع به فى حياتهما (٢) وما ذلك إلا لأن مواقفها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أشرف المواقف التى تحمد لامرأة فى الأولين والآخرين.


(١) يراجع: ما قاله عبد الحسين شرف الدين، وجعفر مرتضى العاملى ص١٩٩.
(٢) ينظر: السيرة النبوية لابن هشام ٢/٢٩ نص رقم ٤١٣، والروض الأنف للسهيلى ٢/٢٢٣.

<<  <   >  >>