للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويدل على ذلك ما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام، فأدركتنى الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزاً، فقد أبدلك الله خيرا منها، فغضب، حتى اهتز مقدم شعره من الغضب، ثم قال: "لا والله ما أبدلنى الله خيراً منها، آمنت بى إذ كفر الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقنى الله منها أولاداً إذ حرمنى أولاد النساء" قالت عائشة: فقلت فى نفسى، لا أذكرها بسيئة أبداً" (١) .

وأصل الحديث فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت: "ما غرت على أحد من نساء النبى صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبى صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها فى صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن فى الدنيا امرأة إلا خديجة؟! فيقول: "إنها كانت وكانت، وكان لى منها ولد" وفى رواية مسلم: "إنى قد رزقت حبها" (٢) .

فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا والله ما أبدلنى الله خيراً منها، آمنت بى إذ كفر الناس.. إلخ إنها كلمات من جوامع الكلم تبين عظيم دورها فى تخفيف آلام الدعوة وشدائدها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن فى الحديث بيان لعظم فضلها، وإلى أى مدى عرف لها النبى صلى الله عليه وسلم قدرها ومنزلتها فى حياتها، وحفظ لها ودها وعهدها بعد وفاتها، فرضى الله عنها وأرضاها، وجزاها بفضله وكرمه عن دينه ونبيه، خير وأوفر الجزاء.


(١) أخرجه أحمد فى مسنده ٦/١١٧، ١١٨ بإسناد حسن كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد ٩/٢٢٤.
(٢) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب مناقب الأنصار، باب تزويج النبى صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها ٧/١٦٦ رقم ٣٨١٨، ومسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة ٨/٢١٤ رقم٢٤٣٥.

<<  <   >  >>