وكذلك الحال مع ذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ورقة، كل ما فيه طلب عين اليقين؛ ولا يعنى ذهابه أنه شك فى نبوته عما يزعم الرافضة، بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعقب على كلام ورقة إلا بقوله:"أو مخرجى هم؟ " ولم يعقب صلى الله عليه وسلم على قوله "هذا الناموس الذى أنزل على موسى" لأنه صلى الله عليه وسلم كان على يقين بأنه مَلَك من عند ربه عز وجل، نزل عليه بوحى الله تعالى، فلم يزده صلى الله عليه وسلم هذا الجواب إلا يقيناً على يقينه، وإلا لو كان فى شك – لجاء – ما يشير إلى ذلك، تعقيباً واستفسار منه صلى الله عليه وسلم لورقة، وإنما لم يعقب ولم يستفسر صلى الله عليه وسلم عن ذلك ليقينه بذلك، وإنما جاء التعقيب والاستفسار على قول ورقة "ليتنى أكون حياً إذ يخرجك قومك" ففى هذا الكلام شئ جديد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستفسر "أو مخرجى هم" وكأنه عليه الصلاة والسلام يقول: كيف يخرجونى، وأنا جئت لإخراجهم من الظلمات إلى النور، وكيف يخرجونى من حرم الله، وجوار بيته، وبلدة آبائى من عهد إسماعيل عليه السلام؟.
فيأتى الجواب من ورقة: نعم! أى هم مخرجوك، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى، وإن يدركنى يومك أنصرك نصراً مؤزراً.
ولعل حكمة المولى عز وجل اقتضت أن تكون ما أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم من المخافة، وما غشيته من الخشية والرهبة كلها ألقيت عليه تكويناً، ليرجع إلى من جعلها الله عز وجل سكناً، وترجع به إلى ورقة، فيشيع خبر نبوته من قبلهم... ويصير بهذا الطريق دليلاً محكماً على أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبى صادق، حتى شهد به شاهد من أهله، (خديجة) وشهد به ورقة الذى كان يعرف حال الأنبياء، ليكون حجة على أهل الكتاب، وعلى المشركين الذين يقدرون علم ومكانه ورقة بالمبشرات.