للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. ألم يرجف المنافقون بحديث الإفك عن زوجه عائشة رضى الله عنها، وأبطأ الوحي، وطال الأمر والناس يخوضون، حتى بلغت القلوب الحناجر، وهو لا يستطيع إلا أن يقول بكل تحفظ واحتراس: "إنى لا أعلم عنها إلا خيراً" ثم إنه بعد أن بذل جهده فى التحرى والسؤال، واستشارة الأصحاب، ومضى شهر بأكمله، والكل يقولون ما علمنا عليها من سوء، لم يزد على أن قال آخر الأمر: "يا عائشة، أما إنه بلغنى كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله" (١) .

... هذا كلامه صلى الله عليه وسلم بوحى ضميره، وهو كما ترى كلام البشر الذى لا يعلم الغيب إلا بوحى ربه، وكلام الصديق المتثبت الذى لا يتبع الظن، ولا يقول ما ليس له به علم.

... على أنه صلى الله عليه وسلم، لم يغادر مكانه بعد أن قال هذه الكلمات حتى نزل صدر سورة النور معلناً براءتها، ومصدراً الحكم المبرم بشرفها وطهارتها. فماذا كان يمنعه، لو أن أمر الوحي إليه، أن يتقول هذه الكلمة الحاسمة من قبل، ليحمى بها عرضه، ويذب بها عن عرينه، وينسبها إلى الوحي الإلهى لتنقطع ألسنة المتخرصين؟ ولكنه ما كان ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله، قال تعالى: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين} (٢) .


(١) ينظر قصة الحديث فى: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً الآية ٨/٣٠٦ رقم ٤٧٥٠، ومسلم (بشرح النووى) كتاب التوبة، باب حديث الإفك وقبول توبة القاذف ٩/١١٥ رقم ٢٧٧٠.
(٢) الآيات ٤٤ – ٤٧ الحاقة، وينظر: النبأ العظيم للدكتور محمد عبد الله دراز ص٢٠ – ٢٤ بتصرف يسير.

<<  <   >  >>