ثانياً: إن صورة الوحي النفسى كما صوروه مبنية على وجود معلومات وأفكار مدخرة فى العقل الباطن، وأنها تظهر فى صورة رؤى ثم تقوى فيخيل لصاحبها أنها حقائق خارجية.
... وإنى أتساءل: هل كان الدين الذى جاء به خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام بعقائده وتشريعاته فى العبادات والمعاملات، والحدود، والجنايات، والاقتصاد، والسياسة، والأخلاق والآداب، وأحوال السلم والحرب، مركوزاً أو مدخراً فى نفسه صلى الله عليه وسلم؟!.
... هذا ما تنكره العقول بداهة، لأن ما جاء به صلى الله عليه وسلم وما بلغه من وحى الله فى العقائد: يعتبر مناقضاً لكل ما كان سائداً فى العالم حينئذ، من عقائد، كالوثنية، والمجوسية، والتأليه، والتثليث، والصلب، وإنكار البعث، واليوم الآخر، وكذلك جاء النبى صلى الله عليه وسلم بتشريعات ما عرفت فى الشرائع السابقة سماوية، وغير سماوية.
... واشتمل الوحي الإلهى الذى بلغه المصطفى صلى الله عليه وسلم سواء قرآناً أو سنة، على أسرار فى الكون والأنفس والآفات، ما كانت تخطر على بال بشر قط ولم يظهر تأويلها إلا بعد تقدم العلوم والمعارف فى العصر الأخير، فكيف تكون هذه الأسرار من داخل نفس النبى صلى الله عليه وسلم، وهى لم تخطر له على بال (١) .
ثالثاً: ليس كل ما فى الوحي الإلهى (قرآناً وسنة) مما يستنبطه العقل والتفكير ومما يدركه الوجدان والشعور.
... ففى الوحي جانب كبير من المعانى النقلية البحتة التى لا مجال فيها للذكاء والاستنباط، ولا سبيل إلى علمها لمن غاب عنها إلا بالدراسة والتلقى والتعليم، أو المعاصرة.
... ومن هذه الجوانب. ما جاء فى الكتاب والسنة، من أنباء ما قد سبق، وما فصله من تلك الأنباء، على وجهه الصحيح كما وقع؟.
(١) المدخل لدراسة القرآن للدكتور محمد أبو شهبة ص٩٩، ١٠٠.