للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. انظر مثلاً: قول القاضى: "والذى يظهر ويترجح عند ابن العربى (١) وعند غيره من المحققين على تسليمه، أن النبى صلى الله عليه وسلم كان كما أمره ربه يرتل القرآن ترتيلاً، ويفصل الآى تفصيلاً فى قراءته، كما رواه الثقات عنه، فيمكن ترصد الشيطان لتلك السكتات، ودسه فيها ما اختلقه من تلك الكلمات، محاكياً نغمة النبى صلى الله عليه وسلم بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفار فظنوها من قول النبى صلى الله عليه وسلم وأشاعوها" (٢) .

... قلت: وهذا التأويل الراجح عند ابن العربى، وارتضاه الحافظ (٣) وغيره ممن تابعه قديماً وحديثاً، ما أضعفه عند النظر والتأمل، فهو يوقع القائل به فيما فر منه، وهو تسلط الشيطان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم عصمته فيما يبلغ عن ربه عز وجل، حيث أن التسلط بالمحاكاة كالتسلط عليه بالإجراء على لسانه، كلاهما لا يجوز، وفتح هذا الباب خطر على الرسالات الإلهية.

... وإذا سلمنا أن الشيطان هو الذى نطق بهذا المنكر من القول فى أثناء سكوت النبى صلى الله عليه وسلم؛ فكيف لم يسمع ما حكاه الشيطان؟! وإذا كان سمعه فلم لم يبادر إلى الإنكار، والبيان فى مثل هذا واجب على الفور؟!.

... وإذا لم يسمع النبى! ألم يسمع أصحابه؟ وإذا سمعوا فلم لم يبادروا إلى تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم؟!.

وأهون من هذا فى الإبطال وأشد فى الاستغراب ما ذكره موسى بن عقبة فى مغازيه، من أن المسلمين ما سمعوها، وإنما ألقى الشيطان بهذه المقالة فى أسماع المشركين!!.


(١) أحكام القرآن ٣/١٢٩٠.
(٢) الشفا ٢/١٣٠، وشرحه لعلى القارى ٢/٢٣٤.
(٣) فتح البارى، كتاب التفسير، باب سورة الحج ٨/٢٩٤.

<<  <   >  >>