للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. قال الحسن البصرى وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله} فتأمل كيف أوقع طاعته ومتابعته صلى الله عليه وسلم بين قطرى محبة العباد، ومحبة الله للعباد، وجعل تلك المتابعة شرطاً لمحبة الله لهم، مما يستحيل حينئذ ثبوت محبتهم لله، وثبوت محبة الله لهم، بدون طاعتهم ومتابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذه الآية الكريمة: حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس على الطريقة النبوية، فإنه كاذب فى دعواه فى نفس الأمر، حتى يتبع شرع الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فى جميع أقواله وأفعاله وأحواله، ويعلم أن هذا الاتباع عين التوحيد الخالص لله عز وجل، كما دل على ذلك ما روى أنه لما نزلت هذه الآية قال بعض الكفار: "إن محمداً يريد أن نتخذه حناناً (١) كما اتخذت النصارى عيسى" فأنزل الله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} (٢)


(١) الحنان: الرحمة، والعطف، والرزق، والبركة. والمراد: رباً ذا رحمة، وقيل محبباً، وقيل: متمسحاً به تبركاً. شرح الشفا للقارى ١/٤٩، والنهاية ١/٤٥٢.
(٢) الآية ٣٢ آل عمران. والأثر:أخرجه ابن المنذر بنحوه عن مجاهد، وقتادة، كما قال الحافظ السيوطى فى مناهل الصفا فى تخريج أحاديث الشفا ص ٣٣ رقم١٩. والأثر ذكره ابن إسحاق عن أبى رافع القرظى قال: (حين اجتمعت الأحبار من يهود ونصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،= =ودعاهم إلى الإسلام قالوا: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن أعبد غير الله، أو آمر بعبادة غيره، فما بذلك بعثنى الله ولا أمرنى" فأنزل الله عز وجل: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكمة ثم يقول للناس كونوا عباداً لى من دون الله} الآيتان ٧٩، ٨٠ آل عمران. وينظر: السيرة النبوية لابن هشام ٢/١٩٦ نص رقم ٦٣٥.

<<  <   >  >>