للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. أمر المولى عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم، بالاجتهاد فى قوله تعالى: {وشاورهم فى الأمر} (١) ووجه الاستدلال بالآية: أن المشاورة إنما تكون فيما حكم فيه بطريق الاجتهاد، إذ لا مشاورة فيما نزل به وحى (٢) .

... ولا ريب أن الأمر بالمشاورة أمر له بالاجتهاد لاستظهار آراء من معه من المؤمنين ليختار منها باجتهاده ما يراه صلى الله عليه وسلم موافقاً للمصلحة، وهذا هو الاجتهاد المطلوب.

... وقول من قال أن الآية واردة فى الحروب؛ لا يمنع من ثبوت الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم بها (٣) إذ الحروب جهاد فى سبيل الله، وهى أحكام شرعية فالاجتهاد فيها يقتضى جواز الاجتهاد فى غيرها إذ لا فارق.

... وهنا يرد سؤال:

... إذا كان أى نبى عندما يجتهد عرضة لأن يصيب وأن يخطئ، فلماذا يكلهم الله عز وجل إلى الاجتهاد الذى قد يخطئون فيه؟ ولماذا لا يسعفهم بالوحي الذى يفصل فى الأمور والقضايا ولا يحوجهم إلى الاجتهاد؟.

والجواب:

... أن الله عز وجل حكماً فى أن يترك الرسل يجتهدون، ثم ينبههم ويعاتبهم إذا أخطأوا؛ أبين بعضها بالنسبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على النحو التالى:

الحكمة الأولى:

... إقامة الدليل على بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم وعبوديته، وأنه مع كونه رسولاً، لم يتجاوز أن يكون عبداً يصيب ويخطئ، كما يصيب البشر ويخطئون؛ ولكنه لا يقر على خطأ.


(١) جزء من الآية ١٥٩ آل عمران.
(٢) ينظر: الأحكام للآمدى ٤/١٤٤، والمسودة فى أصول الفقه لآل تيمية ص٥٠٨.
(٣) سيأتى بيان الصواب فى اجتهاده صلى الله عليه وسلم فى أول المبحث الثانى بعد قليل.

<<  <   >  >>