للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأولى: أن الله تعالى جعل الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيار فى الحكم بينهم، فإن شاء حكم، وإن شاء أعرض ولم يحكم، أى أن الأمر مفوض إليه صلى الله عليه وسلم، فإن رأى – باجتهاده – مصلحة وحسن قبول منهم لحكمه حكم بينهم وإلا أعرض عنهم ولا ضرر عليه منهم.

الثانية: أن تقييد أمره بالحكم بينهم (بالقسط) يشعر بزيادة تنبيهه صلى الله عليه وسلم على تحرى الصواب فيما يحكم به، وهو دليل على أن الله تعالى أذن له أن يحكم بينهم باجتهاده، لأنه لو كان الحكم بالوحي لم يكن لهذا القيد فائدة بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لا يحكم إلا بالقسط فدل ذلك على عصمته فى اجتهاده فيما يحكم فيه.

وقوله سبحانه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} (١) .

ووجه الاستدلال بالآية: أمر رب العزة عباده بتحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل شأن من شئون حياتهم، وينقادوا لحكمه انقياداً مطلقاً لا معارضة فيه، وإلا فلا يستحقوا وصف الإيمان.

وإذا كان حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سبق – من الآيات السابقة – يكون بوحى وباجتهاده؛ دل ذلك على عصمته فى اجتهاده، وإلا لما وجب التسليم لحكمه صلى الله عليه وسلم تسليماً مطلقاً.

والآية ترد قول الذين شذوا بتجويز الخطأ عليه صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده، وقد أشار التاج السبكى إلى رد هذا القول الشاذ بقوله: "والصواب أن اجتهاده عليه الصلاة والسلام لا يخطئ" (٢) .

وقوله عز وجل: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما آراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} (٣) .


(١) الآية ٦٥ النساء.
(٢) جمع الجوامع ٢/٣٨٧ وينظر: الشفا ٢/١١٥، ١١٦، وشرح الزرقانى على المواهب ٧/٢٦١ والخصائص الكبرى للسيوطى ٢/٣٤٨، ودلالة القرآن المبين لعبد الله الغمارى ص٤٢، ٤٣.
(٣) الآية ١٠٥ النساء.

<<  <   >  >>