للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيهما: أنه صلى الله عليه وسلم أذن لهم اجتهاداً منه بناء على عموم آية النور من تفويضه بالإذن لمن شاء، فكيف ينسب إليه ذنب أو جريمة؟! بل لو فرض أنه أخطأ لكان مثاباً على اجتهاده غير مؤاخذ بخطئه، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يخطئ، لأنه سلك ما هو الأوفق بخلقه العظيم من التيسير على أصحابه، والميل إلى ستر حالهم، وتفويض أمرهم إلى الله تعالى، ولكن الله تعالى أراد منه صلى الله عليه وسلم أن يكون شديداً على المنافقين فهو كقوله تعالى: {يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} (١) فالإذن للمنافقين كان جائزاً بحسب عموم آية النور، ثم نسخ بهذه الآية. كما كان الاستغفار لهم والصلاة عليهم جائزين، ثم نسخا بقوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره} (٢) وفاعل الحكم المنسوخ قبل نسخه لا يكون عاصياً، بل هو مثاب مبرور.

... ويؤيد ما سبق استفتاح الكلام بالعفو، {عفا الله عنك} والآية بحسب الأسلوب العربى، تفيد تكريم النبى وتعظيمه خلافاً لمن وهم ففهم منها عتابه أو تأنيبه، فيستوجب ما فهمه ذلك الواهم (٣) .

وقوله سبحانه: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم} (٤) إن هذه الآية تتحدث عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم للرماة يوم أحد الوارد فى قوله صلى الله عليه وسلم: "احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتنمونا قد غنمنا فلا تشركونا" (٥) .


(١) الآية ٧٣ التوبة، والآية ٩ التحريم.
(٢) الآية ٨٤ التوبة.
(٣) ينظر: خواطر دينية ص٤٣، ٤٤، ودلالة القرآن المبين ص٦٨ كلاهما لعبد الله الغمارى. ويراجع: ص١٤٨ – ١٥١.
(٤) الآية ١٥٥ آل عمران.
(٥) سبق تخريجه ص٣٦١.

<<  <   >  >>