.. وهو ما يُظهر أن عصمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر الأنبياء والمرسلين – عليهم الصلاة والسلام – مبنية على إرادة إلهية يمتنع معها وقوع المعصية منهم.
... ويقول عز وجل:{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءَنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم. قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عُمُراً من قبله أفلا تعقلون}(١) .
... ففى قوله:{فقد لبثت فيكم عُمُراً من قبله} يقدم رب العزة حياة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيرته الطاهرة قبل بعثته، دليلاً على عصمته ونبوته. والمعنى فى الآيتين: إنى جئتكم بالقرآن عن إذن الله لى فى ذلك ومشيئته وإرادته، والدليل على أنى لست أتقوله من عندى ولا افتريته؛ أنكم عاجزون عن معارضته، وأنكم تعلمون صدقى وأمانتى منذ نشأت بينكم إلى حين بعثنى الله عز وجل، لا تنتقدون علىَّ شيئاً تُعِّيرونى به. ولهذا قال:{فقد لبثت فيكم عُمُراً من قبله أفلا تعقلون} أى: أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل!
... والقارئ لسيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يشك فى عصمته فقد كانت نشأته صلى الله عليه وسلم، منذ ولدته أمه إلى أن بعثه الله عز وجل رحمة للعالمين، أكمل نشأة، تولاه الله تعالى فأدبه، ورباه فكمِله، ورعاه فحفظه مما كان يشين حياة قومه من وثنية، وعادات مستقبحة، حتى غدا أكمل إنسان فى بشريته، فلم تعرف له فى سيرته هفوة، ولم تحص عليه فيها زلة، بل إنه امتاز بسمو الخلق، ورجاحة العقل، وعظمة النفس، وحسن الأحدوثة بين الناس، ثم نبأه الله تعالى وبعثه، فنمت فيه هذه الفضائل وترعرعت حتى أصبحت حياته فريدة فى تاريخ هذه الحياة الدنيا.