للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

.. فمن أين له هذا؟ وهو اليتيم الذي تعرض منذ طفولته لمحنة اليتم والفقر! وهو الأمي الذي لم يجلس طيلة حياته إلي معلم يثقف عقله! وهو الذي نشأ في بيئة سيطرت عليها الجاهلية سيطرة كاملة في مجال العقيدة والفكر، وفي مجال الأخلاق والسلوك، وطبعت الناس بطابعها البغيض حتي لا تكاد تجد إنساناً يسلم من وراثة البيئة، وعدوي التقاليد الجاهلية الموروثة عن الآباء والأجداد. فكيف نجا سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم من تلك المؤثرات القوية؟.

... إنك لا تستطيع أن تدرك سر كمال عقله وعقيدته وأخلاقه، وبراءته من كل نقائص ومثالب بيئته التي نشأ فيها إلا أن تقول: إنه الإعداد الإلهي للنبوة و {الله أعلم حيث يجعل رسالته} (١) إنها العصمة الربانية التي حفظته صلي الله عليه وسلم من بيئة الجاهلية أربعين عاماً لم يصبه أذي من غبارها، فشب أكمل الناس خَلْقاً وخُلُقاً.

... وشهد له صلي الله عليه وسلم بتلك العصمة ربه عز وجل في عشرات الآيات القرآنية منها إجمالاً قوله تعالي: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثني وفرادي ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} (٢) .

... وقوله سبحانه: {ما ضل صاحبكم وما غوي} (٣) ففي هاتين الآيتين ونحوهما كان التعبير فيها بـ "صاحبكم" تذكيراً وتقريراً بأن كفار مكة أعرف الناس به، فرسول الله صلي الله عليه وسلم لم يفارقهم، وهم لم يفارقوه، بل صحبهم وصحبوه، ولازمهم ولازموه، وهذا يفيد أن كفار مكة في اتهامهم لرسول الله صلي الله عليه وسلم بعدم العصمة ووصفه بالضلال والجنون والسحر مكابرون، والدليل حاله قبل نبوته حيث صحبتهم له منذ نشأته بينهم، واعترافهم له بالأمانة والصدق، ورجاحة العقل، والخلق القويم.


(١) جزء من الآية ١٢٤ الأنعام.
(٢) الآية ٤٦ سبأ.
(٣) الآية ٢ النجم.

<<  <   >  >>