للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. وبعد: فهذه نماذج من الأحاديث التى تدل على اجتهاده صلى الله عليه وسلم فى الشريعة الإسلامية، وعصمة الله تعالى له فيها؛ إما بالإقرار إذا وافق اجتهاده مراده عز وجل، وإما بالتصويب والإرشاد إذا خالف اجتهاده مراده تعالى.

... وفى كلا الأمرين (الإقرار والتصويب) هو بمنزلة الوحي الإلهى يصير حجة على العباد إلى يوم الدين؛ ويحرم مخالفته خلافاً لمن أجاز ذلك، وزعم أن خطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده دليل على أنه يجوز الاجتهاد فى نفس الأحكام التى اجتهد فيها ومخالفته! (١) .

... ونعم أقول: إن بعض اجتهاداته صلى الله عليه وسلم لم تصادف الصواب؛ ولكن أين حكم الله تعالى فى الأمر الذى اجتهد فيه صلى الله عليه وسلم ولم يصب؟! إن ما يصدر عن النبى صلى الله عليه وسلم من اجتهاد - على ما تقرر سابقاً فى أكثر من موضع، إما أن يوافق حكم الله أولاً.

... فإن وافق حكم الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهو كما أخبر به عليه الصلاة والسلام، وإن لم يوافق حكم الله عدله إلى حكمه جلا جلاله. وإذن تصبح الأحكام الدينية التى حكم بها رسول الله اجتهاداً أحكام الله فى النهاية، وقبل لقائه الرفيق الأعلى، وتصير تلك الأحكام حجة إجماعاً بلا شك (٢) ويشهد لصحة ما سبق إجماع الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده، فإلى بيان ذلك.


(١) سيأتى ذكرهم والرد عليهم بالتفصيل فى الفصل الثانى ص٤١٢ - ٤٣١.
(٢) حكى الإجماع الإمام الغزالى فى المستصفى ٢/٣٥٥، ٣٥٦. وينظر: مصادر الشرعية الإسلامية للمستشار الدكتور على جريشة ص٣٨، ٣٩، والفقه الإسلامى مرونته وتطوره للإمام الأكبر جاد الحق ص٢٦ - ٣١ والإحكام للآمدى ٤/١٨٧ - ١٨٩.

<<  <   >  >>