للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. ووجه الاستدلال منه على عصمته فى اجتهاده صلى الله عليه وسلم أنه توقع أن يترتب على المواظبة على صلاة الليل جماعة فرضها عليهم، كما هى واجبة عليه صلى الله عليه وسلم، لأن الأصل فى الشرع المساواة بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أمته فى العبادة مالم يدل دليل على الخصوصية، فأداه اجتهاده عليه الصلاة والسلام بسبب رحمته بهم إلى عدم الخروج إليهم والصلاة بهم خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها (١) وبما أنه لم يرد دليل على الفرضية، فهو بمنزلة الإقرار من رب العزة لما اجتهد فيه صلى الله عليه وسلم؛ حيث وافق مراد الله بعدم الفرضية، وهو دليلنا على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده.

٧- وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعث فقال: "إن وجدتم فلاناً وفلاناً فاحرقوهما بالنار" ثم قال صلى الله عليه وسلم: حين أردنا الخروج: إنى أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً وأن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما" (٢) .

... إن قوله: "إن وجدتم فلاناً وفلاناً فاحرقوهما" كان هذا الأمر منه أولاً اجتهاداً، ثم عدل عنه باجتهاد آخر؛ وعلله صلى الله عليه وسلم بقوله: "النار لا يعذب بها إلا الله".

... وقد استدل بالحديث الحافظ ابن حجر على: "جواز الحكم بالشئ اجتهاداً ثم الرجوع عنه" (٣) وفى الرجوع واستمرار الحكم على ذلك، وعدم ورود ما يخالفه عنه صلى الله عليه وسلم هو بمنزلة الإقرار من الله تعالى على هذا الحكم النهائى الذى رجع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو دليل عصمته فى اجتهاده.


(١) ينظر: فتح البارى ٣/١٧ رقم ١١٢٩.
(٢) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله٦/١٧٣ رقم ٣٠١٦.
(٣) فتح البارى ٦/١٧٥ رقم ٣٠١٦.

<<  <   >  >>