للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. والجمهور ينكرون أن هذا المعنى ثابت قبل ورود الشرع، وأنه لا يسمى حكماً شرعياً. ولكنهم يقولون: ليس هذا هو معنى الإباحة الشرعية، إنما هى خطاب الشارع بالتخيير بين الفعل والترك من غير بدل. ولا شك أن هذا حكم شرعى؛ وأنه غير ثابت قبل ورود الشرع. ولو التفت هذا الفريق إلى هذا المعنى لم ينازع فيه؛ فليس هناك خلاف حقيقى بينهما.

... فالإباحة حكم شرعى يحتاج إلى دليل؛ والفعل الطبيعى منه صلى الله عليه وسلم يدل عليه. ونظرة واحدة فى باب أفعاله صلى الله عليه وسلم فى أى كتاب من كتب أصول الفقه، ترشدك إلى الحق فى هذا الموضوع (١) .

... ويقول الإمام الشاطبى فى رده على من قال: "ترك المباح طاعة على كل حال". قال: "بل فعل المباح طاعة بإطلاق؛ لأن كل مباح ترك حرام. ألا ترى أنه ترك المحرمات كلها عند فعل المباح، فقد شغل النفس به عن جميعها. وهذا الثانى أولى؛ لأن الكلية هنا تصح، ولا يصح أن يقال كل مباح وسيلة إلى محرم أو منهى عنه بإطلاق، فظهر أن ما اعترض به لا ينهض دليلاً على أن ترك المباح طاعة" (٢) .

قلت: ويشهد لهذا قول الإمام السرخسى فى أصوله: "ترك العمل بالحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام، كما أن العمل بخلافه حرام" (٣) .


(١) حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص٧٨ – ٨١،وينظر: الإحكام للآمدى ١/١١٤،والمحصول للرازى ١/٢٠، والبرهان للجوينى ١/ ١٠٦ – ١٠٨، وأصول السرخسى ١/١٤، والإبهاج فى شرح المنهاج ١/٦٠، والبحر المحيط ١/٢٤١، ٢٧٥،والمستصفى ١/٧٥، وإرشاد الفحول ١/١٨٦، وأصول الفقه لمحمد الخضرى ص٦٠، والمحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى شامة ص٤٠ – ٢٠٨، وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور عمر سليمان الأشقر.
(٢) الموافقات ١/١٠٠.
(٣) أصول السرخسى ٢/٧.

<<  <   >  >>