للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. وكيف يصح هذا مع أنها من الأفعال الاختيارية المكتسبة، وكل فعل اختيارى من المكلف لابد أن يتعلق به حكم شرعى: من وجوب أو ندب أو إباحة أو كراهة أو حرمة.

... وفعل النبى صلى الله عليه وسلم الطبيعى مثل الفعل الطبيعى من غيره، فالأبد أن يكون قد تعلق به واحد من هذه الأحكام؟ وليس هذا الحكم الكراهة، ولا الحرمة، لعصمته صلى الله عليه وسلم فى أحواله كلها، وليس الحكم الوجوب ولا الندب: لعدم القربة فيه.

... فلم يبق إلا الإباحة وهى حكم شرعى؛ فقد دل الفعل الطبيعى منه صلى الله عليه وسلم على حكم شرعى، وهو الإباحة فى حقه، بل وفى حقنا أيضاً {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} (١) .

... ولقد أجمع الأصوليون فى باب أفعاله صلى الله عليه وسلم على أن أفعاله الطبيعية تدل على الإباحة فى حقه صلى الله عليه وسلم، وفى حق أمته، وكل يحكى الاتفاق على ذلك عن الأئمة السابقين (٢) .

أم أخرجوها: لأنهم ظنوا أن الإباحة ليست حكماً شرعياً؟ وهذا لا يصح أيضاً: فإن الأصوليين مجمعون على شرعيتها – أى الإباحة – اللهم إلا فريقاً من المعتزلة ذهب إلى عدم شرعيتها؛ فهما منهم: أن الإباحة انتفاء الحرج عن الفعل والترك (٣) وذلك ثابت قبل ورود الشرع، وهو مستمر بعده، فلا يكون حكماً شرعياً.


(١) الآية ٢١ الأحزاب.
(٢) ينظر: المحصول ١/٥٠١، والإحكام للآمدى ١/١٥٩،والموافقات للشاطبى ٤/٤٣٧،والإبهاج فى شرح المنهاج ٢/٢٦٤،والمعتمد فى أصول الفقه ١/٣٣٤، والبرهان للجوينى ١/١٨١،والبحر المحيط ٤/١٧٦، وفواتح الرحموت ٢/١٨٠، وإرشاد الفحول ١/١٦٥.
(٣) ينظر: التقرير والتحبير لابن أمير الحاج ٢/١٤٤.

<<  <   >  >>