للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما ورد فى الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم، تسجى بثوبه، أى: التف به حتى غطى وجهه وأذنه، ففى ذلك إعراض عن ذلك؛ لكون مقامه يقتضى أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك، لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذى أقره إذ لا يقر على باطل!.

كما أن فى إعراضه بتغطية وجهه وأذنه؛ بيان لكمال رأفته صلى الله عليه وسلم، وحلمه، وحسن خلقه، مع زوجته عائشة وصواحباتها، لئلا يستحيين فيقطعن ما هو مباح لهن (١) .

وحتى على فرض استماعه صلى الله عليه وسلم، لغناء الجوارى، فالغناء هنا من نوع المباح وجاء على لسان ممن لم يتخذا الغناء عادة لهما. يدل على ذلك.

ما ورد فى الحديث من قول عائشة رضى الله عنها: "وعندى جاريتان من جوارى الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين" (٢) ففى قولها: "وليستا بمغنيتين" معناه: ليس الغناء عادة لهما، ولا هما معروفتان به، وإنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب، والمفاخرة بالشجاعة، والظهور والغلبة، وهذا لا يهيج الجوارى على شر، ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه، وإنما هو رفع الصوت بالإنشاد، ولهذا قالت: "وليستا بمغنيتين" أى ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى، والتعريض بالفواحش، والتشبيب بأهل الجمال، وما يحرك النفوس، ويبعث الهوى والغزل، وليستا أيضاً ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذى فيه تمطيط وتكسير، وعمل يحرك الساكن، ويبعث الكامن، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسباً، والعرب تسمى الإنشاد غناء وليس هو من الغناء المختلف فيه، بل هو مباح، وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذى هو مجرد الإنشاد والترنم، وفعلوه بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم، وفى هذا كله إباحة (٣) .


(١) ينظر: المصادر السابقة فى الأماكن نفسها.
(٢) يراجع: تخريج حديثنا ص٤٨٣.
(٣) ينظر: المنهاج شرح مسلم ٣/٤٥٢ رمق ٨٩٢، وفتح البارى ٢/٥١٣ رقم ٩٤٩.

<<  <   >  >>