للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. والمعنى: من قال لآخر أنت فاسق، أو قال له أنت كافر، فإن كان ليس كما قال. كان هو المستحق للوصف المذكور، وأنه إذا كان كما قال، لم يرجع عليه شئ لكونه صدق فيما قال. ولكن لا يلزم من كونه لا يصير بذلك فاسقاً ولا كافراً، أن يكون آثماً فى صورة قوله له: أنت فاسق أو أنت كافر. بل فى هذه الصورة تفصيل:

إن قصد نصحه أو نصح غيره، ببيان حاله جاز.

وإن قصد تعييره وشهرته بذلك، ومحض أذاه لم يجز، لأنه مأمور بالستر عليه، وتعليمه وعظته بالحسنى، فمهما أمكنه ذلك بالرفق لا يجوز له أن يفعله بالعنف، لأنه قد يكون سبباً لإغرائه وإصراره فى ذلك الفعل، كما فى طبع كثير من الناس من الأنفة، لاسيما إن كان الآمر دون المأمور فى المنزلة (١) . وكذلك من لعن آخر، فإن كان أهلاً لها، وإلا رجعت إلى قائلها يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها؛ ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً، رجعت إلى الذى لعن، فإذا كان لذلك أهلاً، وإلا رجعت إلى قائلها" (٢) .


(١) ينظر: فتح البارى ١٠/٤٨٠، ٤٨١ رقم ٦٠٤٥.
(٢) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الأدب، باب اللعن ٤/٢٧٧ رقم ٤٩٠٥ وسنده جيد كما قال الحافظ فى فتح البارى ١٠/٤٨١ رقم ٦٠٤٥، وللحديث شاهد عند أحمد فى المسند ١/٤٠٨، ٤٢٥ من حديث ابن مسعود بسند حسن، كما قال الحافظ فى الأماكن السابقة نفسها، وشاهد آخر من حديث ابن عباس أخرجه أبو داود فى الأماكن السابقة نفسها برقم ٤٩٠٨، والترمذى فى سننه كتاب البر والصلة، باب ما جاء فى اللعنة ٤/٣٠٩ رقم ١٩٧٨ وقال: حسن غريب، وقال الحافظ فى الأماكن السابقة نفسها رواته ثقات، ولكنه أعل بالإرسال أهـ.

<<  <   >  >>