.. وبذلك الفضل العظيم تحدث المصطفى صلى الله عليه وسلم بنعمة ربه عز وجل قائلاً "أدبنى ربى فأحسن تأديبى"(١) .
... وقد أجمعت الأمة على هذا الأدب الربانى، وأن حياة نبيها صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وبعدها أمثل حياة وأكرمها وأشرفها، فلم تعرف له فيها هفوة، ولم تحص عليه فيها زلة، بل إنه امتاز بسمو الخلق، ورجاحة العقل، وعظمة النفس، وحسن الأحدوثة بين الناس، ثم نبأه الله وبعثه، فنمت فيه هذه الفضائل وترعرعت حتى أضحت حياته فريدة فى تاريخ هذه الحياة الدنيا.
... فمن أين له هذا؟ وهو اليتيم الذى تعرض منذ طفولته لمحنة اليتم، والفقر! وهو الأمى الذى لم يجلس طيلة حياته إلى معلم يثقف عقله! وهو الذى نشأ فى بيئة سيطرت عليها الجاهلية، سيطرة كاملة فى مجال العقيدة والفكر، وفى مجال الأخلاق والسلوك، وطبعت الناس بطابعها البغيض حتى لا تكاد تجد إنساناً يسلم من وراثة البيئة، وعدوى التقاليد الجاهلية الموروثة عن الآباء والأجداد.
(١) أخرجه ابن السمعانى فى أدب الإملاء والاستملاء ص١، بلفظ "إن الله أدبنى وأحسن أدبى، ثم أمرنى بمكارم الأخلاق فقال: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" الآية ١٩٩ الأعراف، قال السخاوى فى المقاصد الحسنة ص٢٩ رقم ٤٥ وإسناده منقطع فيه من لم أعرفه عن عبد الله أظنه ابن مسعود رضى الله عنه. وذكر له شواهد، وقال عنه: إسناده ضعيف جداً، وإن اقتصر شيخنا – يعنى الحافظ ابن حجر – على الحكم عليه بالغرابة فى بعض فتاويه، قال: ولكن معناه صحيح، ونقل عن ابن الأثير نحو ذلك فى النهاية فى غريب الحديث ١/٨، وذكره السيوطى فى الجامع الصغير ص١٤، ١٥ ورمز له بالصحة. ونقل فى الدرر المنتثرة فى الأحاديث المشتهرة ص٤٣ تصحيح أبى الفضل ابن ناصر له، وينظر: فيض القدير للمناوى ١/٢٢٤، والفتاوى الحديثية للسخاوى ص٢٦٩ – ٢٧١، وكشف الخفاء للعجلونى ١/٦٢ رقم ١٦٤.