.. فكيف نجا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك المؤثرات القوية؟
... إن الإنسان العادى قد يستطيع أن تعاف نفسه شيئاً يكرهه ولا يستسيغه بحكم الفطرة السليمة لكن من المحال عقلاً أن يعيش فى عزلة روحية كاملة، وهجرة نفسية تامة لقومه، فيسلم له عقلة من الخرافات، وتسلم روحه من الجهالات، ويسلم وجدانه من التلون بشئ يغضب الله عزوجل.
... نعم لقد كان فى المجتمع العربى حنيفيون وحدوا الله ودعوا إلى توحيده، وكان هناك كرماء، وكان هناك أوفياء، وكان هناك أناس عرفوا بالعفة والتنزه عن الفواحش، ولكن كان عزيزاً جداً أن تجد فى هذه البيئة إنساناً جمع الله فيه كل هذه الصفات وغيرها مثل ما جمع الله ذلك فى النبى محمد صلى الله عليه وسلم ٠
... إنك لا تستطيع أن تدرك سر كمال عقله وعقيدته وأخلاقه، وبراءته من كل نقائص ومثالب بيئته التى نشأ فيها إلا أن تقول: إنه الإعداد الإلهى للنبوة و {الله أعلم حيث يجعل رسالته}(١) .
... إنها العصمة الربانية! تلك التى حفظته صلى الله عليه وسلم، من بيئة الجاهلية أربعين عاماً، لم يصبه أذى من غبارها، فشب أكمل الناس خَلقاً وخُلقاً، ودلائل تلك العصمة الإلهية متوافرة فى كتاب الله عزوجل، وسيرته العطرة، فإلى بيانها فى المبحث التالى:
(١) جزء من الآية ١٢٤ الأنعام وينظر: المؤتمر العالمى الرابع للسيرة والسنة ١/٦٨٦ بتصرف، بحث الدكتور أحمد خليل بعنوان "شخصية محمد صلى الله عليه وسلم البشر الرسول" مقارنة بالسيرة النبوية فى ضوء القرآن والسنة للدكتور محمد أبو شهبة ١/٢٣٥ - ٢٤٠، والرسالة المحمدية لسليمان الندوى ص٩٦.