للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التأكيد أو لا حاجة له به.

أجل، دع عنك هذا وذاك، فإن الحكم في القرآن بهذا الضرب من الزيادة أو شبهها إنما هو ضرب من الجهل -مستورًا أو مكشوفًا- بدقة الميزان الذي وضع عليه أسلوب القرآن.

وخذ نفسك أنت بالغوص في طلب أسراره البيانية على ضوء هذا المصباح. فإن عمي عليك وجه الحكمة في كلمة منه أو حرف فإياك أن تعجل كما يعجل هؤلاء الظانون؛ ولكن قل قولًا سديدًا هو أدنى إلى الأمانة والإنصاف. قل: "الله أعلم بأسرار كلامه، ولا علم لنا إلا بتعليمه". ثم إياك أن تركن إلى راحة اليأس فتقعد عن استجلاء تلك الأسرار قائلًا: أين أنا من فلان وفلان؟ .. كلا، فرب صغير مفضول قد فطن إلى ما لم يفطن له الكبير الفاضل. ألا ترى إلى قصة ابن عمر في الأحجية المشهورة (١)؟ فجِدَّ في الطلب وقل: رب زدني علمًا، فعسى الله أن يفتح لك بابًا من الفهم تكشف به شيئًا مما عمي على غيرك. والله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور. ولنضرب لك مثلًا، قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (٢).

سر زيادة الكاف في قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾:

"أكثر" أهل العلم قد ترادفت كلمتهم على زيادة الكاف بل على وجوب زيادتها في هذه الجملة، فرارًا من المحال العقلي الذي يفضي إليه بقاؤها على معناها الأصلي من التشبيه؛ إذ رأوا أنها حينئذ تكون نافية الشبيه عن مثل الله، فتكون تسليمًا بثبوت المثل


(١) قرأ النبي قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ [الآية ٢٤ من سورة إبراهيم] وقال: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم. فحدثوني ما هي؟ " فخفي على القوم علمها وجعلوا يذكرون أنواعًا من شجر البادية، وفهم ابن عمر أنها النخلة، وكان عاشر عشرة هو أحدثهم سنًّا، وفيهم أبو بكر وعمر، فقال : "هي النخلة". الحديث رواه الشيخان. وفي القرآن ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ [الآية ٧٩ من سورة الأنبياء]. البخاري عن ابن عمر، ك العلم، ب/ قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا "٥٩".
(٢) الآية ١١ من سورة الشورى: ٤٢.

<<  <   >  >>