فكان من الحق أن يعود إلى وصف طريقة القرآن في هذه الهداية، ليقول: إنها هداية كاملة بالبيان الوافي الشامل لكل شيء، فانظر كيف مهد لهذا الانتقال تمهيدًا يتصل من أول السورة إلى هذا الموضع:
أما المقدمة فقد وصف فيها الفرق الثلاث وصفًا شافيًا ضرب للناس أمثالهم، وحقق أن الذين كفروا اتبعوا الباطل، وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم.
وأما المقصود فقد بين فيه أن لله وحده المثل الأعلى الذي لا يشاركه فيه شيء من الأنداد، ثم وضع فيه الفيصل بين النبي والمتنبي بتلك المعجزة العالمية التي لا يستطيع أحد من دون الله أن يأتي بمثلها، ثم ذكر مثل النار التي أعدت للكافرين، ومثل الجنة التي وعد المتقون.
فتراه قد تناول في هذه الأمثال ضروبًا شتى من الحقائق؛ علوية وسفلية، مادية ومعنوية … حتى كانت نهاية الحديث أن عرض ما في الجنة من أنواع المتع واللذائذ الشخصية والجنسية، تلك المعاني التي قد يستحيي المرء من ذكرها، وقد يخالها الجاهل نابية عن سنن الخطاب الإلهي الأعظم، غافلًا عن أنه الحق الذي لا يستحيي من الحق، وأنه الرحيم الذي يتنزل برحمته إلى مستوى العقول البشرية فيبين لهم كل ما يحتاجون إلى بيانه مما يحبون أو يكرهون، ومما يرجون أو يحذرون.
وهكذا انساق الحديث من ذكر هذه النماذج المتفاوتة إلى استنباط القاعدة الكلية