للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناحية التي قضى التاريخ والمنطق على كل محاولة فيها بالفشل، فإن أبوا فليعلموا أن كل شبهة تقام في وجه الحق الواضح سيحيلها الحق حجة لنفسه يضمها إلى حججه وبيناته.

حيرة المعاندين واضطرابهم في الجدل قديمًا وحديثًا:

نعود رابعًا وأخيرًا فنقول: لو كانت "نسبة هذه العلوم القرآنية إلى تعليم البشر" من الدعاوي التي تعبر عن فكرة أو شبهة قائمة بنفس صاحبها لوقف عندهم الطاعنون ولم يجاوزوها؛ ذلك لأن العقل إذا خُلِّي ونفسه في تعليل تلك المفارقة الكلية بين ماضي الحياة المحمدية وحاضرها -أعني ما قبل النبوة وما بعدها- لم يسعه إلا الحكم بأن هذا العلم الجديد وليد تعليم جديد. وإذ لا عهد للناس بمعلمين في الأرض من غير البشر كان أول ما يخطر بالبال أن هنالك إنسانًا تولى هذا التعليم، فلو وجد الطاعن أدنى تكأة من عوامل واقعية أو ممكنة تجعل له شيئًا من الاقتناع بهذا التعليل فيما بينه وبين نفسه لما رضي به بديلًا ولما عدل عنه إلى تعليل آخر أيًّا كان، لكن هؤلاء الطاعنين ما فتئوا منذ نزل القرآن إلى يومنا هذا حائرين في نسب هذا القرآن، لا يدرون أينسبونه إلى تعليم البشر كما سمعنا آنفًا، أم يرجعون به إلى نفس صاحبه كما سمعنا من قبل، أم يجمعون له بين النسبتين فيقولون لصاحبه: إنه "معلم" "مجنون" كما جاء في سورة الدخان (١)، (٢).

[نظرية الوحي النفسي ليست جديدة]

ومن تتبع أنواع المجادلات التي حكاها القرآن عن الطاعنين فيه رأى أن نسبتهم القرآن إلى تعليم البشر كانت هي أقل الكلمات دورانًا على ألسنتهم، وأن أكثرها


(١) سورة الدخان: الآية ١٤.
(٢) رواه البخاري عن مسروق، ك/ تفسير القرآن، ب/ قوله: وما أنا من المتكلفين "٤٤٣٥".

<<  <   >  >>