(٢) لعلك ترى هنا شيئًا من المخالفة لكلام المفسرين، إذ جعلوا المثلين كليهما راجعين إلى المنافقين خاصة، وجعلناهما موزعين على الطائفتين، نشرًا على ترتيب اللف. ولكنك إذا رجعت بنفسك إلى أجزاء المثلين سترى معنا أن المثل الأول ينطبق تمام الانطباق على الأوصاف التي ذكرها الله للكافرين، وأن الذي ينطبق على صفات المنافقين إنما هو المثل الثاني وحده. فهؤلاء القوم الذين ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ أليسوا هم أولئك القوم الذين ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾. وهذه الظلمات الثابتة المستقرة التي ليس فيها بصيص من نور وليس فيها تقلب ولا تذبذب، هل ترى فيها تصويرًا لألوان النفاق ووجوهه المختلفة باختلاف الأحوال؟ إنك لا تجد هذه الصورة إلا في المثل الثاني حيث يتعاقب فيه الظلام والنور، الوقوف والمسير. وكذلك ترى في المثل الثاني قومًا لهم أسماع وأبصار لم يذهب الله بها ولو شاء لذهب، وهذا مناسب لقوله في المنافقين: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ فوصفهم بالمرض ولم=