للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٣ - فيما يتصل بمستقبل المعاندين]

وهذه أمثلة من النوع الثالث:

استعصى أهل مكة على النبي فدعا عليهم بسنين كسني يوسف، فانظر ما قاله القرآن في جواب هذا الدعاء: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (١) فماذا جرى؟ أصابهم القحط حتى أكلوا العظام، وحتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد. رواه البخاري عن ابن مسعود. ثم انظر قوله بعد ذلك: ﴿إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ، يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾ (٢) تَرَ فيها ثلاث نبوءات أخرى: كشف البؤس عنهم، ثم عودتهم إلى مكرهم السيئ، ثم الانتقام منهم بعد ذلك، وقد كان ذلك كله كما بينه الحديث الصحيح المذكور (٣)، فإنهم لما جاءوا إلى رسول الله يستسقون وتضرعوا إلى الله: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ (٤) سقاهم الله فأخصبوا، ولكنهم سرعان ما عادوا إلى عتوهم واستكبارهم، فبطش الله بهم البطشة الكبرى يوم بدر، حيث قُتل من صناديدهم سبعون، وأُسر سبعون.

فتارة يأتي محملًا كما في قوله: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ﴾ (٥) وقوله ﴿فتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ (٦).

وتارة يعين نوع العذاب بأنه الهزيمة الحربية كما في قوله: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ (٧). وهذا كما ترى من عجيب الأنباء في مكة، حيث لا مجال لأصل فكرة


(١) سورة الدخان: الآية ١٠ وما بعدها.
(٢) سورة الدخان: الآية "١٥ - ١٦".
(٣) رواه مسلم عن مسروق، ك/ صفة القيامة والجنة والنار "٥٠٠٧".
(٤) سورة الدخان: الآية ١٢.
(٥) سورة الرعد: الآية ٣١.
(٦) سورة الصافات: الآية ١٧٤ وما بعدها.
(٧) سورة القمر: الآية ٤٥، ونحوها ما ورد في سورة المزمل وهي من أوائل ما نزل في مكة ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [المزمل: ٢٠].

<<  <   >  >>