للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن بغلته كنما يمكنهم من نفسه، وجعل يقول: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" (١) كأنما يتحداهم ويدلهم على مكانه، فو الله ما نالوا نيلًا، بل أيده الله بجنده، وكف عنه أيديهم بيده. رواة الشيخان عن البراء ابن عازب ورواه مسلم عن العباس وسلمة بن الأكوع ورواه أحمد وأصحاب السنن عن غيرهم أيضاً.

وهكذا أمتع الله به أمته فلم يقبضه إليه حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وحتى أنزل عليه قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (٢).

[٢ - فيما يتصل بمستقبل المؤمنين]

"وإليك مثالًا من النوع الثاني".

كان القرآن في مكة يقص على المسلمين من أنباء الرسل ما يثبت فؤادهم، ويعدهم الأمن والنصر الذي كان لمن قبلهم ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (٣) ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ (٤) فلما هاجروا إلى المدينة فرارًا بدينهم من الفتن ظنوا أنهم قد وجدوا مأمنهم في مهاجرهم، ولكنهم ما لبثوا أن هاجمتهم الحروب المسلحة من كل جانب، فانتقلوا من خوف إلى خوف أشد. وأصبحت كل أمنيتهم أن يجيء يوم يضعون فيه أسلحتهم، وفي هذه الأوقات العصيبة ينبئهم القرآن بما سيكون لهم من الخلافة والملك، علاوة على الأمن والاطمئنان، فما هذا؟ أأحلام وأماني؟ لا، بل وعد مؤكد بالقسم: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ


(١) رواه البخاري عن البراء بن عازب، ك/ الجهاد والسير، ب/ من قاد دابة غيره في الحرب، ومسلم عن البراء، ك/ الجهاد والسير، ب/ في غزوة حنين "٢٦٥٣"، ورواه مسلم -أيضًا- عن العباس وسلمة بن الأكوع، ورواه أحمد وأصحاب السنن عن غيرهم.
(٢) سورة المائدة: الآية ٣.
(٣) سورة الصافات: الآية ١٧١.
(٤) سورة غافر: الآية ٥١.

<<  <   >  >>