بدئت السورة الكريمة أحرف مقطعة لا عهد للعرب بتصدير مثلها في الإنشاء والإنشاد؛ وإنما عهدوها من القراء الكاتبين في بدء تعليمهم النهجي للناشئين "أ. ل. م".
ومهما يكن من أمر المعنى الذي قصد إليه بهذه الأحرف، والسر الذي وضعت هنا من أجله، فإن تقديمها بين يدي الخطاب مع غرابة نظمها وموقعها من شأنه أن يوقظ الأسماع ويوجه القلوب لما يلي هذا الأسلوب الغريب.
[٢ - التنويه بالمقصود]
وألحقت بهذه الأحرف الثلاثة جمل ثلاث:
أما أولاهن فإعلان للسامع أن ما سيتلى عليه الآن هو خير كتاب أخرج للناس، وأنه ليس في الوجود ما يصلح أن يسمى كتابًا بالقياس إليه: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾.
وأما الأخريان فيدعمان هذا الحكم بالحجة والبرهان. أليس تفاضل الكتب إنما هو بمقياس ما تحويه من حق لا يشوبه باطل. أو ليس كمال هذا الحق أن يكون نيرًا لا يثير شبهة. أو ليس أكمل الكمال بعد هذا وذاك أن يكون ذلك الحق مما تمس إليه حاجة الناس في إنارة السبيل وإقامة الدليل إذا ما اشتبهت عليهم السبل وتفرقت المسالك. فذلكم القرآن هو جماع هذه الفضائل الثلاث: فهو الحق المحض الذي لا باطل فيه، بل هو الحق اللائح الذي لا شبهة باطل فيه، ثم هو بعد ذلك الهدى المبين الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور: ﴿لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى﴾.
هكذا كان موقع هذه الجمل الثلاث بعد تلك الأحرف الثلاثة موقع التنويه