أول ما يلاقيك ويستدعي انتباهك من أسلوب القرآن الكريم خاصية تأليفه الصوتي في شكله وجوهره.
١ - الجمال التوقيعي في توزيع حركاته وسكناته، ومداته وغُنَّاته:
دع القارئ المجود يقرأ القرآن يرتله حق ترتيله نازلًا بنفسه على هوى القرآن، وليس نازلًا بالقرآن على هوى نفسه. ثم انتبذ منه مكانًا قصيًّا لا تسمع فيه جرس حروفه، ولكن تسمع حركاتها وسكناتها، ومداتها وغناتها، واتصالاتها وسكتاتها، ثم ألق سمعك إلى هذه المجموعة الصوتية، وقد جردت تجريدًا وأرسلت ساذجة في الهواء. فستجد نفسك منها بإزاء لحن غريب عجيب لا تجده في كلام آخر لو جرد هذا التجريد، وجود هذا التجويد.
ستجد اتساقًا وائتلافًا يسترعي من سمعك ما تسترعيه الموسيقى والشعر، على أنه ليس بأنعام الموسيقى ولا بأوزان الشعر، وستجد شيئًا آخر لا تجده في الموسيقى ولا في الشعر. ذلك أنك تسمع القصيدة من الشعر فإذا هي تتحد الأوزان فيها بيتًا بيتًا، وشطرًا شطرًا، وتسمع القطعة من الموسيقى فإذا هي تتشابه أهواؤها وتذهب مذهبًا متقاربًا. فلا يلبث سمعك أن يمجها، وطبعك أن يملها، إذا أعيدت وكررت عليك بتوقيع واحد. بينما أنت من القرآن أبدًا في لحن متنوع متجدد، تنتقل فيه بين أسباب وأوتاد وفواصل (١) على أوضاع مختلفة، يأخذ منها كل وتر من أوتار قلبك بنصيب
(١) هل أنت بحاجة إلى معرفة مسميات هذه الألقاب؟ الحرف المتحرك يتلوه حرف ساكن يقال لهما: "سبب خفيف". والحرفان المتحركان يتلوهما ساكن "وتد مجموع" والحرفان المتحركان لا يتلوهما ساكن "سبب ثقيل" والحرفان المتحركان يتوسطهما ساكن "وتد مفروق" وثلاثة أحرف متحركة يعقبها ساكن "فاصل صغير" وأربعة أحرف متحركة يعقبها ساكن "فاصل كبير".