للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكذب أوله آخره، وآخره أوله؛ إذ كيف يعقل أن رجلًا رأى علامات النبوة في امرئ فبشره بها قبل وقوعها، أو آمن بها بعد وقوعها، تطاوعه نفسه أن يقف من صاحب هذه النبوة موقف المرشد المعلم! فأين يذهبون؟!

[موقف محمد من العلماء موقف المصحح لما حرفوا، الكاشف لما كتموا]

على أننا نعود فنسأل: هل كان في العلماء يومئذ من يصلح أن تكون له على محمد وقرآنه تلك اليد العلمية؟

يقول الملحدون أنفسهم: "إن القرآن هو الأثر التاريخي الوحيد الذي يمثل روح عصره أصدق تمثيل". وهذه كلمة حق في حدود معناها الصحيح (١) فنحن نأخذهم باعترافهم وندعوهم إلى استجلاء تلك الصورة التي حفظها القرآن في مرآته الناصعة مثالًا واضحًا لعلماء عصره. فيقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران؛ وما فيهما من المحاورة لعلماء اليهود والنصارى في العقائد والتواريخ والأحكام، أو ليقرءوا ما شاءوا من السور المدنية أو المكية التي فيها ذكر أهل الكتاب، ولينظروا بأي لسان يتكلم عنهم القرآن، وكيف يصور لنا علومهم بأنها الجهالات، وعقائدهم بأنها الضلالات والخرافات، وأعمالهم بأنها الجرائم والمنكرات.

فإن أنت أحببت زيادة البيان فإليك نموذجًا من وصفه وتفنيده لأغلاطهم ومغالطاتهم التاريخية: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (٢) ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ (٣) ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ


(١) وهو أنه يمثلها ولا يتمثلها. وإن شئت فقل: إنه يمثلها أصدق تمثيل، ثم يمثِّل بها أنكى تمثيل.
(٢) سورة آل عمران: الآية ٦٥ وما بعدها.
(٣) سورة البقرة: الآية ١٤٠.

<<  <   >  >>