للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المرحلة الرابعة من البحث]

[البحث في جوهر القرآن نفسه عن حقيقة مصدره]

إننا في هذا المنهج الذي سلكناه من أول البحث إلى هذا الحد لم نرد أن نعرض للقرآن في جوهره، بل كان قصارى ما صنعناه أننا درسنا الطريق التي جاء منها؛ فما وجدنا في اعترافات صاحبه، ولا في حياته الخلقية، ولا في وسائله وصلاته العلمية، ولا في سائر الظروف العامة أو الخاصة التي ظهر فيها القرآن إلا شواهد ناطقة بأن هذا القرآن ليس له على ظهر الأرض أب ننسبه إليه من دون الله.

وتلك كلها دراسات خارجية إنما يسلكها رجل وقف معنا على طرف صالح من هذه الحياة النبوية وملابساتها، وكان مع ذلك سليم الفطرة يتعرف الأشياء بمثالها ويهتدي إليها بأقرب أماراتها. فمثل هذا سيرضى منا بهذا القدر ويهتدي به.

وأما الذين لا يعلمون عن تلك الحياة النبوية إلا قليلًا -وكثير ما هم- والذين يريدون أن يأخذوا حجة القرآن لنفسه من نفسه، فهؤلاء لا غنى لهم أن نتقدم بهم خطوة أخرى نبين لهم فيها أن هذا الكتاب الكريم يأبى بطبيعته أن يكون من صنع البشر، وينادي بلسان حاله أنه رسالة القضاء والقدر، حتى إنه لو وجد ملقًى في صحراء لأيقن الناظر فيه أن ليس من هذه الأرض منبعه ومنبته، وإنما كان من أفق السماء مطلعه ومهبطه.

ذلك أن قدرة الناس وإن تفاوتت فإلى حدود محدودة لا تتعداها، وقدرة الخالق على الممكنات لا حد لها، فكل كائن يجاوز حدود القدرة العالمية واقع في حدود القدرة الإلهية البتة. ولا ثالث.

مثال ذلك: أن الرجل قد يصرع الرجل وقد يصرع الرجلين وقد يصرع الآحاد والعشرات، ولكن هل من الناس من يقف في وجه العالم كله فيقهر الأمم أفرادًا وجماعات؟

<<  <   >  >>