للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المغناطيسي" فقد أصبح الرجل القوي الإرادة يستطيع أن يتسلط بقوة إرادته على من هو أضعف منه حتى يجعله ينام بأمره نومًا عميقًا لا يشعر فيه بوخز الإبر، وهناك يكون رهين إشارته، وتنمحي إرادته في إرادته: فلو شاء أن يمحو من نفسه رأيًا أو عقيدة لمحاها بكلمة واحدة، بل لو شاء أن يمحو من صدره اسم نفسه (١) ويلقنه اسمًا آخر يقنعه بأنه هو اسمه لما وجد منه إلا إيمانًا وتسليمًا، ولأصبح اسمه الحقيقي نسيًا منسيًّا، ولبقي هذا الاسم المصنوع منقوشًا على قلبه ولسانه بعد أن يستيقظ إلى ما شاء الله، فإذا كان فعل هذا الإنسان بالإنسان فما ظنك بمن هو أشد منه قوة؟

فذلك مَثل (٢) حامل الوحي ومتلقيه هذا بشر مطواعٌ ذو روح صاف يقبل انطباع العلوم فيه، وذاك ملك شديد القوي ذو مرة يحمل إليه رسالته ويقرئها إياه، فلا ينسى إلا ما شاء الله.

بَيْدَ أن بعدًا شاسعًا بين هذا الوحي النبوي، ووحي الناس بعضه لبعض، فالناس كما عرفت قد يوحون زخرف القول غرورًا، وكثيرًا ما ترك وحيهم في نفس متلقيه أعراضًا عقلية أو بدنية يصعب علاجها. فأين هذا من الوحي بين رسولين مؤيدين اصطفاهما الله لرسالته: رسول الله من الملائكة، ورسول من الناس؟ فأما الرسول الملكي فإنه كما علمت لا يوحي إلا الحق، ولا يأمر إلا بالخير، وأما الرسول البشري فإنه لا يزال من بعد كما كان من قبل، ثابتَ الفؤاد كاملَ العقل قويَّ النفس والبدن ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ (٣).


(١) حوادث التنويم المغناطيسي وآثارها البدنية والنفسية أكثر من أن تحصى، ولكننا أشرنا بهذا المثال إلى واقعة كان شاهد العيان فيها فاضل من علماء الأزهر "الأستاذ محمد عبد العظيم الزرقاني" وهو الذي فطن منها إلى هذه العبرة الدينية ونشرها بمجلة الهداية الإسلامية في شهر ربيع الأول من هذا العام "١٣٥٢ هـ".
(٢) تأمل هذا التقريب تجد فيه آية أخرى على بطلان دعوى "الوحي النفسي" التي يروجها الملحدون؛ إذ إنه من الأركان الأساسية التي أجمع عليها علماء التنويم أنه إنما يكون بين نفسين مختلفتي الطبائع؛ إحداهما أقوى إرادة من الأخرى، فلا يستطيع امرؤ أن يقوم بهذه التجربة في نفسه إلا إذا فرضنا اجتماع النقيضين أو أن يكون الواحد اثنين.
(٣) سورة الأنعام: الآية ١٢٤.

<<  <   >  >>