للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثال تطبيقي من سورة يونس والأنفال:

خذ لذلك مثلًا قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (١).

الآية مسوقة في شأن منكري البعث الذين قال لهم النبي: إني رسول الله إليكم، وإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقالوا متهكمين: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (٢). فلما لم يجبهم الله إلى اقتراحهم وأخر عنهم العذاب إلى ساعته المحدودة أطغاهم طول الأمن والدعة والعافية الحاضرة حتى نسوا ريب الدهر وأمنوا مكر الله، فجعلوا يستعجلون بالشر استعجالهم بالخير، ويقولون: متى هو؛ وما يحبسه لو كان آتيًا؟!

أراد القرآن أن يقوم في جواب هذا الاستعجال: لو كانت سنة الله قد مضت بأن يعجل للناس الشر إذا استعجلوه، كتعجيله لهم الخير إذا استعجلوه، لعجله لهؤلاء. ولكنه قد جرت سنته التي لا تتبدل بأن يمهل الظالمين ويؤخر حسابهم إلى أجل مسمى. وعلى وفق هذا النظام المسنون سيترك هؤلاء وشأنهم حتى يجيء وقتهم.

هذا هو الوضع الذي يوضع عليه الكلام في ألسنة الناس وفي طبيعة اللغة لتأدية المعنى الإجمالي الذي ترمي إليه الآية. فانظر ماذا جرى .. ؟

١ - وكان الكلام في وضعه العادي مؤلفًا من قضايا ثلاث: اثنتان منها بمثابة المقدمات. والثالثة بمنزلة النتيجة. فاقتصر القرآن على الأولى والأخيرة. أما الوسطى وهي الاستدراك -أو الاستثنائية كما يسميها علماء المنطق- فقد طواها طيًّا.


(١) الآية ١١ من سورة يونس.
(٢) الآية ٣٢ من سورة الأنفال.

<<  <   >  >>