للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - وكانت المقدمة الأولى في وضعها الساذج تتألف من أربعة أطراف: تعجيل من الله في الخير وفي الشر، واستعجال من الناس كذلك. ولكن الكلام ها هنا ليس فيه إلا تعجيل واحد من الله، واستعجال واحد من الناس.

٣ - وكانت المقابلة في الشبيه بحسب الظاهر إنما هي بين تعجيل وتعجيل، أو بين استعجال واستعجال، فأدير الكلام في الآية على وجه غريب، وجعلت المشابهة بين تعجيل واستعجال.

وبعد هذا التصرف كله هل ترى كلامًا مبتورًا أو طريق ملتويًا يتعثر فيه الفهم؟ أم ترى مغزى الآية لائحًا للعامة والخاصة، كالبدر ليس دونه سحاب؟

فارجع إلى طلب شيء من أسرار البيان، وقل: كيف جاء هذا الإشراق مع هذا الاختصار البليغ؟

نقول: "أما الأول" فإنه لم يدع تلك المقدمة المطوية إلا بعد أن رفع لها علمين من جانبيها يدلان على مكانها ويوحيان بها إلى النفس من وراء حجاب؛ فقد أقام عن يمينها كلمة "لو" الامتناعية التي صدر بها المقدمة الأولى، دلالة على أنه لا يكون منه هذا التعجيل، وعن يسارها حرف التفريع الذي صدر به النتيجة في قوله: "فنذر" لكي ينم على أن لهذا الفرع أصلًا من جنسه يقال فيه: ولكن شأنه أن يذر الناس؛ فلذلك يذر هؤلاء.

ولما كانت الفاء وحده ليست نصًّا في المطلوب؛ لأنها كما تكون للتفريع تكون لمجرد العطف، فربما اتصل القارئ عاطفًا بها على جزاء الشرط قبلها، من قبل أن يتبين له فساد المعنى لو عطف، لم يكتف بالفاء، بل عززها بقوتين أخريين إذ حوَّل صيغة النتيجة من الماضي إلى المضارع، ثم من الغيبة إلى التكلم؛ ليكون هذا الانقطاع اللفظي بينها وبين وما قبلها إيذانًا بانقطاعها عنه معنًى، وإذنًا بالوقوف دونها، حتى لا تقع

<<  <   >  >>