النفس لحظة ما في أدنى اضطراب أو لبس، ذلك إلى ما في هذا التحويل من الافتنان في الأسلوب تجديدًا لنشاط السامع، ومن إلقاء الرعب في القلوب بصدور نطق الوعيد والاستدراج على لسان الجبروت الملكي نفسه.
"أما الثاني" فإنه لما حذف طرفين من الأطراف الأربعة لم يحذفهما من جنس واحد، بل أبقى من كل زوجين واحدًا هو نظير ما حذفه من صاحبه، لينبه بالمذكور على المحذوف. فكانت كلمة "التعجيل" منبهة على نظيرتها في المشبه به، وكلمة "الاستعجال" منبهة على مقابلتها في المشبه.
"أما الثالث" فإنه نبه به على معنى هو غاية في اللطف، وهو سر الإمهال، وحكمة عدم التعجيل من الله. ذلك بأنه صور هذا التعجيل المفروض بصورة تشبه التماس الطالب وحرصه الشديد على إرضاء شهوته وسد حاجته الملحة التي تبعثه على استعجاله، ولا سيما إذا كان يطلب الخير لنفسه. كأنه قيل: إنه تعالى لو عجل لهم ذلك لكان مثله بهذا التعجيل كمثل هؤلاء المستعجلين، في استقزاز البواعث إياه. حاشا لله.
هذا إلى تصرفات عجيبة أخرى:
"منها" أن كلمة "لو" بحسب وضعها وطبيعة معناها تتطلب أن يليها فعل ماض. ولكن المطلوب ها هنا ليس هو نفي المضي فحسب، بل بيان أن هذا الفعل خلاف سنة الله التي لن تجد لها تبديلًا. فلو أدي المعنى على هذا الوضع لطال الكلام، ولقيل:"لو كان سنة الله المستمرة في خلقه أن يعجل … إلخ": فانظر كيف اختصر الكلام في لفظ واحد بإخراج الفعل في صورة المضارع الدال على التكرار والاستمرار، واكتفى بوضع "لو" فرينة على أن ما بعدها ماض في معناه. وهكذا أدى الغرضين جميعًا في رفق ولين.