للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناظر إلى خيوطها، مع أيها يتجه؟ لا يدري أيها هو الذي قصد بالقصد الأول.

وإنما نريد أن نعرض عليك السورة عرضًا واحدًا نرسم به خط سيرها إلى غايتها، ونبرز به وحدة نظامها المعنوي في جملتها، لكي ترى في ضوء هذا البيان كيف وقعت كل حلقة موقعها من تلك السلسلة العظمى.

[ضرورة إحكام النظر في السورة كلها]

بيد أننا قبل أن نأخذ فيما قصدنا إليه نحب أن نقول "كلمة" ساق الحديث إليها: وهي أن السياسة الرشيدة في دراسة النسق القرآني تقضي بأن يكون هذا النحو من الدرس هو الخطوة الأولى فيه، فلا يتقدم الناظر إلى البحث في الصلات الموضعية بين جزء جزء منه -وهي تلك الصلات المبثوثة في مثاني الآيات ومقاطعها- إلا بعد أن يحكم النظر في السورة كلها بإحصاء أجزائها وضبط مقاصدها على وجه يكون معوانًا له على السير في تلك التفاصيل عن بينة؛ فقديمًا قال الأئمة (١): "إن السورة مهما تعددت قضاياها فهي كلام واحد يتعلق آخره بأوله، وأوله بآخره، ويترامى بجملته إلى غرض واحد، كما تتعلق الجمل بعضها ببعض في القضية الواحدة. وإنه لا غنى لتفهم نظم السورة عن استيفاء النظر في جميعها، كما لا غنى عن ذلك في أجزاء القضية".

وبها تعرف مبلغ الخطأ الذي يتعرض له الناظرن في المناسبات بين الآيات حين يعكفون على بحث تلك الصلات الجزئية بينها بنظر قريب إلى القضيتين أو القضايا المتجاورة، غاضين أبصارهم عن هذا النظام الكلي الذي وقعت عليه السورة في جملتها، فكم يجلب هذا النظر القاصر لصاحبه من جور عن القصد، وكم ينأى به عن


(١) كأبي بكر النيسابوري، وفخر الدين الرازي، وأبي بكر بن العربي، وبرهان الدين البقاعي، وأبي إسحاق الشاطبي وغيرهم. أما النص المذكور هنا فمستنبط من كلمات للشاطبي في الموافقات، في المسألة الثالثة عشر من الكلام على الأدلة تفصيلًا. وقد عرض فيها سورة "المؤمنون" عرضًا إجماليًّا.

<<  <   >  >>