للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لعله اضطراب في أعصاب البصر خيل إليه أنه يرى شيئًا من لا شيء! وأنت فاستعذ بالله من عمى القلوب والعيون، وقل: كلا ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ (١). أو يقولون: لعله اضطراب في قوى الفكر صور له المعاني أشباحًا ماثلة، والأحلام حقائق مجسمة، فابرأ إلى الله من هذا الجنون، وقل: كلا ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ (٢).

نعم؛ لقد عجبوا أن يكون إنسان يرى الملائكة عيانًا ويكلمهم جهارًا. بل عجبوا أن يكون في الدنيا خلق لا يرونه بأعينهم، وصوت لا يسمعونه بآذانهم. فقالوا: كيف يرى محمد ما لا نرى، ويسمع ما لا نسمع!

ولعمري؛ لنحن أحق أن نعجب من هذا العجب؛ فإننا نفهم أنه لو ساغ مثله في عصور الجاهلية الأولى ما كان ليسوغ اليوم وقد ملئت الأرض بالآيات العلمية التي تفسر لعقولنا تلك الحقائق الغيبية.

[استئناس بما كشفه العلم في العصور الحاضرة]

إن من أقرب هذه الآات إلى متناول الجمهور آية الهاتف "التليفون". فقد أصبح الرجلان يكون أحدهما في أقصى المشرق والآخر في أقصى المغرب، ثم يتخاطبان ويتراءيان، من حيث لا يرى الجالسون في مجلس التخاطب شيئًا، ولا يسمعون إلا أزيزًا كدوي النحل الذي في صفة الوحي.

فإن كانوا يريدون آية علمية أوضح من هذا تمثل لهم الوحي تمثيلًا، وتريهم من طريق التجارب -التي لا يؤمنون إلا بها- أن اتصال النفس الإنسانية بقوة أعلى منها قد يُحدث فيها ظاهرةً من جنس هذه الظاهرة، وينقش فيها معلومات لم تكن مخزونة في العقل ولا في الحس قبل ذلك، فها قد أراهم الله تلك الآية العجيبة في "أعجوبة التنويم


(١) سورة النجم: الآية ١٧.
(٢) سورة النجم: الآية ١١.

<<  <   >  >>