للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للشيطان وخبر السماء وهي محفوظة من كل شيطان رجيم ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ، إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ (١). بل نقول: "أليست الأرواح جنودًا مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" (٢). أو ليس المرء يعرف بقرينه، وشبه الشيء ينجذب إليه؟ فكيف تأتلف تلك الأرواح الخبيثة وذلك القلب النقي الطهور؟ أم كيف تأتلف تلك القوى الطائشة وهذا العقل الكامل الرصين؟ ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ (٣).

فماذا عسى أن تكون هذه القوة إن لم تكن قوة ملك كريم؟

ذلك هو مبلغ العلم في وصف هذه القوة الغيبية حسبما يهدي إليه البحث العقلي المستقيم. وليس بالمؤمن المقتصد حاجة إلى أكثر من هذا القدر في إرضاء شهوته العلمية، ولا في تثبيت عقيدته الدينية. فمن شاء المزيد من وصفها وحليتها فليس سبيله الرجوع إلى دلالات العقول، وإنما سبيله الرجوع إلى النقل الصحيح عن مهبط سرها ومظهر نورها فهو وحده الذي يستطيع أن يتحدث عن صاحب هذا السر حديث شاهد العيان الذي رأى شخصه وسمع صوته، بل حديث التلميذ الذي جلس إلى أستاذه غير مرة.

فأما الذي يؤمن بالغيب فسيؤمن بهذا الحديث عنه وإن لم يره؛ لأنه رأى أثره، ولأنه يؤمن بمن أخبره. وأما الجاهلون الذي أوتوا قليلًا من علم ظاهر الحياة فظنوا أنهم أحاطوا بكل شيء علمًا فإنهم سيكذبون بكل ما لم يحيطوا بعلمه، وسيقولون لك:


(١) سورة الشعراء: الآية ٢١٠ وما بعدها.
(٢) البخاري عن عائشة ك/ أحديث الأنبياء، ب/ الأرواح جنود مجندة.
ومسلم عن أبي هريرة، ك/ البر والصلة والآداب، ب/ الأرواح جنود مجندة "٤٧٧٣".
(٣) سورة الشعراء: الآية ٢٢١ وما بعدها.

<<  <   >  >>