للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن هذا وايم الله -ضمان لايملكه بشر، ولو كان مَلَكًا محجبًا تسير الحفظة من بين يديه ومن خلفه. فكم رأينا ورأى الناس من الملوك والعظماء من اختطفتهم يد الغيلة وهم في مواكبهم تحيط بهم الجنود والأعوان. ولكن انظر مبلغ ثقة الرسول بهذا الوعد الحق: روى الترمذي والحاكم عن عائشة، وروى الطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: كان النبي يحرس بالليل، فلما نزلت هذه الآية ترك الحرس وقال: "يأيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله" (١).

وحقًّا لقد عصمه الله منهم في مواطن كثيرة كان خطر الموت فيها أقرب إليه من شراك نعله، ولم يكن له فيها عاصم إلا الله وحده.

من ذلك ما رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة، ورواه مسلم في صحيحه عن جابر قال: كنا إذا أتينا في سفرنا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله فلما كنا بذات الرقاع نزل نبي الله تحت شجرة وعلق سيفه فيها. فجاء رجل من المشركين فأخذ السيف فاخترطه (٢) وقال للنبي : أتخافني؟ قال: $"لا". قال: فمن يمنعك مني؟ قال: "الله يمنعني منك، ضع السيف" (٣) فوضعه.

وحسبك أن تعلم أن هذا الأمن كان في الغزوة التي شرعت فيها صلاة الخوف.

ومن أعظم الوقائع تصديقًا لهذا النبأ الحق ذلك الموقف المدهش الذي وقفه النبي في غزوة حنين، منفردًا بين الأعداء، وقد انكشف المسلمون وولوا مدبرين، فطفق هو يركض ببغلته إلى جهة العدو، والعباس بن عبد المطلب آخذ بلجامها يكفها إرادة ألا تسرع، فأقبل المشركون إلى رسول الله فلما غشوه لم يفر ولم ينكص، بل نزل


(١) رواه الترمذي عن عائشة، ك/ تفسير القرآن، ب/ ومن سورة المائدة "٢٩٧٢".
(٢) اخترط السيف: استله من غمده.
(٣) رواه البخاري عن جابر بن عبد الله، ك/ المغازي، ب/ غزوة ذات الرقاع "٣٨٢٢".
ومسلم عن جابر بن عبد الله، ك/ صلاة المسافرين وقصرها، ب/ صلاة الخوف "١٣٩١".

<<  <   >  >>