للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحرب والتقاء الجموع، فضلًا عن توقع فرارها وهزيمتها، حتى إن عمر لما نزلت هذه الآية جعل يقول: أي جمع هذا؟ قال: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله يقولها. رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه، وعجزه في الصحيحين.

وتارة ينص على حوادث جزئية محددة منه -وهذا أعجب وأغرب- كما في قوله في شأن الرجل الزنيم (١) الذي كان يقول في القرآن: إنه أساطير الأولين ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ (٢) فأصيب بالسيف في أنفه يوم بدر. وكان ذلك علامة له يعيَّر بها ما عاش. رواه الطبري وغيره عن ابن عباس.

ونظير هذه الأنباء في كفار قريش ما ورد في كفار اليهود. انظر كيف يقول فيهم: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ (٣) وقد فعل. ثم يقول: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ (٤). ويقول: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ (٥).

فيا عجبًا لهذه الآيات! هل كانت مؤلفة من حروف وكلمات؟ أم كانت أغلالًا وضعت في أعناقهم إلى الأبد، وأصفادًا شدت بها أيديهم فلا فكاك؟ ألا تراهم منذ صدرت عليهم هذه الأحكام أشتاتًا في كل واد، أذلاء في كل ناد، لم تقم لهم في عصر من العصور دولة، ولم تجمعهم قط بلدة، وهم اليوم على الرغم من تضخم ثروتهم المالية إلى ما يقرب من نصف الثروة العالمية لا يزالون مشردين ممزقين عاجزين عن أن


(١) المشهور أنه هو الوليد بن المغيرة المخزومي الذي نزل فيه ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ الآيات من سورة المدثر ٧٤: ١١.
(٢) سورة ن: الآية ١٦.
(٣) سورة آل عمران: الآية ١١١ وما بعدها.
(٤) سورة آل عمران: الآية ١١٢.
(٥) سورة الأعراف: الآية ١٦٧.

<<  <   >  >>