للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ (١).

لقد كان الإخبارُ بهذا النصر وبأنه كائن في وقت معين إخبارًا بأمرين كل منهما خارج عن متناول الظنون، ذلك أن دولة الروم كانت قد بلغت من الضعف حدًّا يكفي من دلائله أنها غزيت في عقر دارها وهزمت في بلادها كما قال تعالى: ﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾، فلم يكن أحد يظن أنها تقوم لها بعد ذلك قائمة، فضلًا عن أن يحدد الوقت الذي سيكون لها فيه النصر؛ ولذلك كذب به المشركون وتراهنوا على تكذيبه، على أن القرآن لم يكتف بهذين الوعدين، بل عززهما بثالث، حين يقول: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ إشارة إلى أن اليوم الذي يكون فيه النصر هناك للروم على الفرس سيقع فيه ها هنا نصر للمسلمين على المشركين، وإذا كان كل واحد من النصرين في حد ذاته مستبعدًا عند الناس أشد الاستبعاد فكيف الظن بوقوعهما مقترنين في يوم؟ لذلك أكده أعظم التأكيد بقوله: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (٢).

ولقد صدق الله وعده، فتمت للروم الغلبة على الفرس، بإجماع المؤرخين في أقل من تسع سنين (٣). وكان يوم نصرها هو اليوم الذي وقع فيه النصر للمسلمين على المشركين في غزوة بدر الكبرى، كما رواه الترمذي عن أبي سعيد، ورواه الطبري عن ابن عباس وغيره.


(١) سورة الروم: ١ - ٤.
(٢) رواه الترمذي عن أبي سعيد، ك/ تفسير القرآن، ب/ ومن سورة الروم "٣١١٦".
(٣) رب قائل يقول: هلا حدد القرآن عدد السنين بلفظ أصرح من لفظ البضع المتراوح بين الثلاث والتسع، أليس الله بأعلم بيوم النصر وساعته، بله سنته؟ فنقول: بلى، ولكن الناس في اصطلاحهم الحسابي لا يجرون على طريقة واحدة، فمنهم من يحسب الشمس، ومنهم من يحسب القمر، ومنهم من يكمل الكسور، ومنهم من يلغيها، فكان مقتضى الحكمة التعبير باللفظ الصادق على كل تقدير ليكون أقطع لكل شبهة، وأبعد عن كل جدل ومكابرة، ثم إنه ربما تراخى الأمر بين بشائر النصر ووقائعه الفاصلة فيقع اختلاف الحسابين في تعيين الوقت الذي يضاف إليه النصر والغلبة. ولذا حسن التعبير بلفظ "في بضع" دون أن يقال: بعد بضع.

<<  <   >  >>