للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وإليك مثالًا آخر":

مُنع المسلمون من دخول مكة عام الحديبية، واشترطت عليهم قريش إذا جاءوا في العام المقبل أن يدخلوها عزلًا من كل سلاح إلا السيوف في القُرُب، فهل كان لهم أن يثقوا بوفاء المشركين بعقدهم وقد بلوا منهم نكث العهود وقطع الأرحام وانتهاك شعائر الله؟ أليسوا اليوم يحبسون هديهم أن يبلغ محله؟ فماذا هم صانعون غدًا؟ على أنهم لو صدقوا في تمكين المسلمين من الدخول فكيف يأمن المسلمون جانبهم إذا دخلوا عليهم دارهم مجردين من دروعهم وقوتهم، ألا تكون هذه مكيدة يراد منها استدراجهم إلى الفخ؟ وآية ذلك اشتراط تجردهم من السلاح إلا السيف في القراب، وهو سلاح قد يطمئن به المسلمون إلى أنهم لن ينالوهم بأيديهم ورماحهم، ولكنه لا يأمنون معه أن ينالوهم بسهامهم ونبالهم، في هذه الظروف المريبة يجيئهم الوعد الجازم بالأمور الثلاثة مجتمعة: الدخول، والأمن، وقضاء الشعيرة ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ﴾ (١) فدخلوها في عمرة القضاء آمنين، ولبثوا فيها ثلاثة أيام حتى أتموا عمرتهم وقضوا مناسكهم .. الحديث أخرجه الشيخان (٢).

"ومثالًا ثالثًا": كان المشركون يجادلون المسلمين في مكة قبل الهجرة، يقولون لهم: إن الروم يشهدون أنهم أهل كتاب، وقد غلبتهم المجوس، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبوننا بالكتاب الذي أنزل عليكم، فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم؛ فنزلت الآية ﴿الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ


(١) سورة الفتح: الآية ٢٧.
(٢) البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان، ك/ الشروط، ب/ الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب "٢٥٢٩".

<<  <   >  >>