وإن تعجب فعجب قولهم مع هذا كله أنه كان صادقًا أمينًا. وأنه كان معذورًا في نسبة رؤاه إلى الوحي الإلهي؛ لأن أحلامه القوية صورتها له وحيًا إلهيًّا، فما شهد إلا بما علم، وهكذا حكى الله لنا عن أسلافهم حيث يقول: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣] فإن كان هذا عذره في تصوير رؤاه وسماعه فما عذره في دعواه أنه لم يكن يعلم تلك الأنباء لا هو ولا قومه من قبل هذا، بينما هو قد سمعها بزعمهم من قبل؟ فليقولوا إذًا: إنه افتراء ليتم لهم بذلك محاكاة كل الأقاويل. ولكنهم لا يريدون أن يقولوا هذه الكلمة لأنهم يدعون الإنصاف والتعقل. ألا فقد قالوها من حيث لا يشعرون.