استهل الخطاب في هذا القسم بثماني آيات يعرف فيها بني إسرائيل بتفاصيل المنن التي امتن بها عليهم مرة بعد مرة، وهي تلك النعم التاريخية القديمة التي اتصل أثرها وسرى نفعها من الأصول إلى الفروع، فجعل يذكرهم بأيام الله فيهم؛ يوم أنجاهم من آل فرعون، ويوم أنجاهم من اليم وأغرق أعداءهم فيه، ويوم واعدهم بإنزال الكتاب عليهم، ويوم حقق وعده بإنزاله، ويوم قبل توبتهم عن الردة والشرك بالله، ويوم قبل توبتهم عن التمرد على نبيهم واقتراح العظائم عليه. وإنها لنعم جليلة "سابقة للذنب ولاحقة" تلين بذكراها القلوب، وتحرك الهمم لشكر المنعم وامتثال أمره.
وقبل أن ينتقل من تذكيرهم بتلك النعم الجليلة المطمعة للشاكرين في المزيد، إلى تذكيرهم بجرائمهم وما حاق بهم من ضروب النكال الموجبة للامتثال والاعتبار جعل بين الحديثين برزخًا مزج فيه ذكر بعض النعم بذكر ما قابلوها به، بعد أن أعد النفس للسير على هذا البرزخ بالتفاتة يسيرة، فيها رمز الإعراض وعدم الرضا، فبين أنه تعالى متعهم فوق هذا كله متاعًا حسنًا؛ إذ ظلل عليهم الغمام، ورزقهم من الطعام والشراب رزقًا هنيئًا من حيث لا يحتسبون، ومن حيث لا كَدَّ ولا نصب. فظلموا أنفسهم وبطروا تلك النعمة وحرفوا كلمة الشكر بتبديلها هزوًا ولعبًا، واقترحوا بدل ذلك