الحاضرين منهم ومنكرات أفاعيلهم وأقاويلهم زهاء عشرين سببًا لا تُبقي مطمعًا لطامع في إيمانهم، سواء منها ما كان مختصًّا بهم، وما كان يشاركهم فيه غيرهم من أسلافهم، أو من النصارى أو الوثنيين.
ثم لا يدع زعمًا من مزاعمهم إلا قفي عليه بما يليق به من الرد والتفنيد.
"وقد بدأ هذا الوصف" بتقسيمهم إلى فريقين: علماء يحرفون كلام الله ويتواصون بكتمان ما عندهم من العلم لئلا يكون حجة عليهم. وجهلاء أميين هم أسارى الأماني والأوهام، وضحايا التضليل والتلبيس الذي يأتيه علماؤهم، فمن ذا الذي يطمع في صلاح أمة جاهلها مضلل مخدوع بأخذ باسم الدين ما ليس بدين، وعالمها مضلل خادع يكتب الكتاب بيده ويقول هذا من عند الله.
"وثَنَّى" ببيان منشأ اجترائهم على كل مويقة، ألا وهو غرورهم بزعمهم أن النار لن تمسهم إلا أيامًا معدودة. ولقد أمر النبي ﷺ أن يوسع هذا الزعم دحضًا وإبطالًا، وأن يتدرج معهم في هذه المجادلة على درجات المنطق السليم والبحث المستقيم فيبدأ بمطالبتهم البرهان على ما زعموا. ثم ينقضه ببيان مخالفته لقانون العدل الإلهي الذي لا يعرف شيئًا من الظلم ولا المحاباة لأحد، بل الخلق أمامه سواء: كان امرئ رهين بعمله، ومن يعمل سوءًا أو حسنًا يجزَ به. ثم يعارضه بقلب القضية عليهم مبينًا لهم أنهم من أولئك الذين كسبوا السيئات وأحاطت بهم خطيئاتهم: ألم يؤخذ عليكم الميثاق بتقوى الله والإحسان إلى الناس فتوليتم؟ ألم يؤخذ عليكم الميثاق بترك الإثم والعدوان فاعتديتم؟ ثم آمنتم ببعض الكتاب وكفرتم ببعض، وحكمتم أهواءكم في الشرائع فكما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم.